اقتباس المشاركة 4358 من موضوع موسوعة خطاب المهديّ المنتظَر إلى جميع المسلمين والنّاس أجمعين ..


الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني
06 - شوال - 1428 هـ
18 - 10 - 2007 مـ
11:28 مساءً
( بحسب التقويم الرسمي لأمّ القرى )
__________



موسوعة خطاب المهديّ المنتظَر إلى جميع المسلمين والنّاس أجمعين ..


بسم الله الرحمن الرحيم، إلى سمو الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود وجميع إخوانه وأفراد الأسرة الحاكمة أولياء بيت الله الحرام، وإلى جميع قادات العرب والعجم، وكذلك إلى سماحة الشيخ مفتي عام المملكة العربيّة السعوديّة ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلميّة والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، وكذلك فضيلة رئيس مجلس القضاء الأعلى الشيخ صالح بن محمد اللحيدان، وكذلك إلى جميع أصحاب الفضيلة بهيئة كبار العلماء بالمملكة العربيّة السعوديّة، وكذلك إلى جميع أصحاب الفضيلة من علماء الأمّة الإسلامية، وكذلك إلى جميع علماء الديانات السماويّة، وكذلك إلى جميع علماء الفلك بالآفاق في العالم أجمعين، وكذلك إلى جميع الشعوب البشريّة، وسلامٌ على المُرسَلين ومن تبعهم بإحسانٍ لا أشرك بالله شيئاً ولا أفرق بين أحدٍ من رسله وأنا من المسلمين، ثمّ أمّا بعد..

يا أيّها النّاس لقد أدركت الشمس القمر في أول الشهر آية للمهديّ المنتظَر من البيت المطّهر، قد جعلني الله للناس إماماً لأهديهم صراطاً مستقيماً وأنذرهم من عذابٍ أليمٍ، وزادني الله بسطةً في العلم على جميع علماء الأمّة ليكون ذلك برهان الإمامة والزعامة لقومٍ يؤمنون، حقيقٌ لا أقول على الله غير الحقّ ومن أظلم ممن افترى على الله ورسوله كذباً فليتبوأ مقعده من النّار ولن يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً، وأُقسم لكم بالله العليّ العظيم البرّ الرحيم ربّ العالمين الذي خلق الإنسان من طينٍ وجعل نسله في قرارٍ مكينٍ؛ الذي رفع السبع الشداد وثبّت الأرض بالأوتاد وأهلك ثمودَ وعاداً وأغرق الفراعنة الشداد؛ الغفور الودود ذو العرش المجيد فعَّالٌ لما يريد؛ الذي خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه وهو أقرب إليه من حبل الوريد؛ الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور؛ الذي يبعث من في القبور وإليه النّشور، إني أنا المهديّ المنتظَر خليفة الله على البشر من أهل البيت المُطهر، ولم يجعل الله حجّتي عليكم القسم ولا الاسم بل العلم، فزادني على علماء الأمّة بسطةً في العلم فأيّدني بالبيان الحقّ للقرآن من نفس القُرآن، فلا يُجادلني أحدٌ من علماء الأمّة إلا غلبته بالعلم والسلطان من القُرآن العظيم، فألجمهم بالقرآن العظيم إلجاماً، وكذلك بسُنَّة رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - التي لا تُخالف حديث الله في القرآن العظيم، فأبيّن لكم ما كان مُفترًى من الأحاديث من التي جاءت من عند غير الله ورسوله، فأبطلها بنصوصٍ واضحةٍ وبيّنةٍ من القرآن العظيم، فإن جادلني علماء المسلمين فألجموني من القرآن العظيم فقد أنقذوا المسلمين حتى لا أضلّهم عن الصراط المستقيم إن كنت من الضالين المضلّين، وإن ألجمتُ علماء المسلمين بنصوص القرآن العظيم إلجاماً على مختلف مذاهبهم وفرقهم فلم يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت بينهم بالحقّ من القرآن العظيم ويسلّموا تسليماً إلا من أبى واستكبر وكفر بالقرآن العظيم حديث ربّ العالمين فسوف يحكم بيني وبينه الله من أنزَل الكتاب بالحقّ رحمةً للعالمين وحفظه من التحريف إلى يوم الدين ليجعله حُجّته على النّاس كافةً وحجّة من يُحاجِج به الأمّة وسلطاناً مبيناً؛ حبل الله المتين الذي أمركم يا معشر المسلمين الاعتصام بحبله القرآن العظيم وأن لا تُفرّقوا دينكم شيعاً وكُلّ حزبٍ بما لديهم فرحون.

وأنا اليماني المنتظَر والذي هو نفسه المهديّ المنتظَر أدعوكم يا معشر المسلمين إلى الرجوع إلى كتاب الله وسُنّة رسوله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - والتي لا تخالف لما أنزل الله في القرآن العظيم، وما خالف القرآن من السُّنة فاعلموا أنه من عند غير الله ورسوله، فذروا ما خالف القرآن وراء ظهوركم واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تتفرقوا فتفشلوا فتذهب ريحكم، ولكنكم خالفتم أمر ربّكم ولم تعتصموا بحبل الله كما أمركم ومن ثم تفرّقتم ومن ثم ذهبت ريحكم فأصبحتم أذلةً كما وعدكم الله بذلك إن لم تعتصموا بحبل الله القرآن العظيم حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض من استمسك به نجا ومن زاغ عنه هوى وغوى وكأنما خرَّ من السماء فتخطَفه الطير أو تهوي به الريح إلى مكانٍ سحيقٍ.

وأنا المهديّ المنتظَر المُعتصم بحبل الله القُرآن العظيم من اعتصم معي بالقرآن كما أبيّنه لكم بالحقّ من نفس القرآن فقد اهتدى إلى الصراط المستقيم؛ صراط الله العزيز الحميد. تصديقاً لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا ﴿١٧٤﴾ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ﴿١٧٥﴾} صدق الله العظيم [النّساء].

والقرآن العظيم هو النّور الذي نزل على رسوله محمد - صلّى الله عليه وآله وسلّم - كما ترون في هذه الآية بأنه حبل الله، وكما وعد الله الذين يعتصمون به فسيدخلهم في رحمةٍ منه وفضلٍ ويهديهم إليه صراطاً مستقيماً كما وعدكم الله، ولكنكم اعتصمتم بما خالف القرآن العظيم في سُنّة محمد رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - من مكر طائفةٍ من اليهود من شياطين البشر من الأحاديث المدسوسة في سُنّة محمد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وما كانت من عند الله ورسوله، لذلك تجدون بينها وبين القرآن اختلافاً كثيراً نظراً لأنها من عند الطاغوت وأوليائه من شياطين البشر من اليهود الذين إذا لقوا الذين آمنوا قلباً وقالباً من صحابة رسول الله الحقّ قالوا آمنّا وإذا خلوا إلى شياطينهم من الجنّ قالوا إنا معكم إنما نحن مُستهزئون بل الله يستهزئ بهم ويمدّهم في طغيانهم يعمهون، وقد أخرجوا المسلمين عن الصراط المستقيم ولم يبقَ من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه بين أيديكم يا معشر عُلماء الأمّة برغم أن أكثركم يحفظ القرآن وبارعٌ في الغنّة والقلقلة وذلك مبلغكم من العلم، ولكنكم تحفظون ما لا تفهمون من الآيات الواضحات البيّنات، فأصبحتم كمثل الحمار يحمل الأسفار في وعاءٍ على ظهره ولكنه يحمل ما لا يفهم، فأصبحتم كمثل الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وقد نهاكم الله أن تكونوا مثلهم.

ويا معشر المسلمين ذكرهم والأنثى و كُلّ من قد بلغ رشده، إني أُشهدكم على جميع علماء المسلمين سُنّةً وشيعةً وعلى مختلف مذاهبهم وفرقهم إني أدعوهم إلى الحوار قبل الظهور عبر طاولة الحوار العالميّة الإنترنت أينما كانوا على وجه الكرة الأرضيّة على مختلف مذاهبهم أجمعين، فأدعوهم إلى (موقع البشرى الإسلاميّة؛ موقع الإمام ناصر محمد اليماني)، فإن لم أغلبهم من القرآن العظيم فألجمهم إلجاماً وأُخرس ألسنتهم بالعلم والمنطق الحقّ من حديث الله في القرآن العظيم فإن لم أستطع وألجمني علماء الأمّة إلجاماً وأخرسوا لساني بمنطق السلطان والبرهان من القرآن العظيم فقد تبيّن للمسلمين أنّي على ضلالٍ مبينٍ وأنّ عليّ لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين، وتبيّن أني من المهديين المُفترين الضالين المُضِلّين من الذين وسوست لهم الشياطين بغير الحقّ، وما كان وحيًا بالتفهيم من ربّ العالمين بل وسوسة شيطانٍ رجيمٍ ليقولوا على الله ما لا يعلمون. وإن رأيتموني يا معشر المسلمين ألجم علماءكم إلجاماً وأخرس ألسنتهم بمنطق القرآن العظيم ومن ثم لا تؤمنون لا أنتم ولا هم بعد أن دحضت حُججهم بحجّة الله ورسوله وحجّتي القرآن العظيم ثم لا تؤمنون فسوف تنالون غضب الله كما نالته اليهود والنّصارى من الذين يعلمون بأنّ هذا القرآن من عند الله ثم لا يؤمنون به فينبذونه وراء ظهورهم، ثم يُعذّبكم معهم عذاباً عظيماً ولن تجدوا لكم من دون الله ولياً ولا نصيراً، ومن نبذ حديث الله القرآن العظيم وراء ظهره ثم استمسك بأحاديث الطاغوت المخالفة لحديث الله فمثله كمثل الذي يستمسك بخيطٍ من بيت العنكبوت وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون.

ويا معشر علماء المسلمين، إنّ المسلمين في ذمّتكم إن صدّقتم صدّقوا وإن كذّبتم كذّبوا، وخير علماء الأمّة وصفوتها وخير البريّة هم المُصدّقون بأمري ولا تأخذهم العزّة بالإثم فلا يجدون في أنفسهم شكّاً مما قضيت بينهم فيما اختلفوا فيه مستنبطاً حكمي بمنطق العلم والسلطان من القرآن العظيم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلّموا تسليماً ويعترفون بشأن الخلافة والإمامة والقيادة العالميّة أولئك هم صفوة هذه البشريّة من المُسلمين ومن عباد الله المُقربين، وأما الذين سوف يكذّبون بشأني من علماء الأمّة بعد أن دحضتُ حُججهم بمنطق القرآن العظيم أولئك هم أشرّ العلماء تحت سقف السماء ذلك لأنهم لا يؤمنون بهذا القرآن العظيم سلطان الواحد القهّار والسيف البتّار لكُل البدع والمُحدثات لقومٍ يؤمنون فجعله الله سيفه المسلول بيد عبده فأَبتُر به البدع الموضوعة في سُنّة محمد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فأجعلها كشجرةٍ خبيثةٍ اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار.

ويا معشر جميع علماء الأمّة الإسلاميّة وأتباعهم، وتالله لا أريدكم أن تكونوا ساذجين فتقولون: "صدّقنا". من قبل أن تروني المُهيمن على علماء الأمّة بالعلم والسلطان الواضح والبيّن من القرآن؛ بل أريدكم أن تقولوا أنتم وعلماؤكم: "سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين، فإن ألجمت جميع علماء الأمّة بالحقّ فيما تقول بسلطان القرآن فأنت حقاً المهديّ المنتظَر إمام الأمّة وحقاً قد جعل الله في اسمك خبرك وعنوان أمرك فواطأ اسم محمدٍ في اسمك في اسم أبيك، واسمك ناصر محمد فاسمك ناصر محمد فقد علمنا بأنّ الاسم يحمل الخبر وأنه اسم المهديّ المنتظَر جعل الله في اسمه صفته، فلم يجعله نبيّاً ولا رسولاً بل الإمام النّاصر لمحمدٍ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم". ولذلك جاء اسمي (ناصر محمد)، ولم يجعل الله حجّتي عليكم في الاسم إذا لم يُصدقه العلم والمنطق بالسلطان والبرهان من القرآن.

فهلموا يا معشر علماء أمّة الإسلام للحوار عبر طاولة الإنترنت العالميّة إذ كيف يظهر لكم ناصر اليماني عند الركن اليماني للمبايعة ما لم تصدّقوا بأمري من قبل ظهوري؟ فما لكم كيف تحكمون؟! وأقسم بالله العظيم ما اخترت الحوار في الإنترنت العالميّة عن أمري فما خطبكم تحرّمونها علينا وهي نعمةٌ من الله كبرى، أم تظنون يا معشر شباب الأمّة بأنّ الله لم يحِطكم بعلم الإنترنت إلا لِاتِّباع الشهوات ومغازلة البنات فتحرّمونها علينا لكي تُستخدم فقط لصالح سبيل الطاغوت والفتنة؟ وتالله لولا المهديّ المنتظَر لما أحاطكم الله بعلمها شيئاً، وتلك نعمةٌ من الله كبرى أن تكتب خطابك فتلقيه في الإنترنت فيطّلع عليه الباحثون عن الحقيقة في العالمين في أيّ وقت، وحين يقرأ الخطاب ليلاً ونهاراً فيتابعه النّاس المثقفون والمتعلمون وهم في بيوتهم لينظروا من الغالب بالحقّ.

فتعالوا يا معشر عُلماء الأمّة والمسلمين التابعين الذين يشهدون أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله، فيا أهل هذه العقيدة والركن الأول من أركان الإسلام تعالوا ننتقل إلى الركن الثاني من أركان الإسلام ألا وهو إقامة الصلاة، ولم يجعلني الله من القرآنيين من الذين جعلوا الصلوات المفروضات ثلاث صلواتٍ بل خمس صلواتٍ في اليوم والليلة، فليتقوا الله ربّ العالمين ولا يقولوا على الله بتأويل القرآن ما لا يعلمون، فاتقوا الله يا معشر القرآنيين، وما دمتم مستمسكين بالقرآن فلسوف ألجمكم من القرآن إلجاماً فأقدّم البرهان على إثبات سُنّة محمد رسول الله الحقّ - صلّى الله عليه وآله وسلّم - والتي تُطابق لما أنزل الله في القرآن العظيم، فأثبت لكم أنّ الصلوات المفروضات هنّ خمسٌ وليست ثلاثاً، فإن ألجمتكم يا معشر القرآنيين بأنّ الصلوات المفروضات خمسٌ وليست ثلاثاً كما تقولون فقد علمتم بأنّ الله زادني عليكم بسطةً في العلم وجعلني للمتقين إماماً.


وإليكم الحكم بأنّ الصلوات خمسٌ وليست ثلاثاً يا معشر القرآنيين ..

بسم الله الرحمن الرحيم، وسلامٌ على المُرسَلين والحمدُ لله ربّ العالمين، ثمّ أمّا بعد..

يا معشر القرآنيين اتَّقوا الله حقّ تقاته ولا تقولوا على الله مثل غيركم ما لا تعلمون في تأويل القُرآن العظيم، واتّبعوني أهدكم صراطاً مُستقيماً بالتأويل الحقّ للقرآن العظيم، وأنا به زعيمٌ وهادٍ به إلى الصراط المُستقيم، والسجود لله العزيز الحميد، ولن أجادلكم من السُّنة في تقديم البرهان بأنّ الصلوات خمسٌ بل سوف ألجمكم بالحقّ إلجاماً من القُرآن العظيم فلا تستطيعون أن تلجموني من القرآن شيئاً ما دمتم به مُستمسكين؛ بل أنا من سوف ألجمكم وعلماء الأمّة أجمعين على مختلف مذاهبهم وفرقهم أتحداكم أجمعين، وليس تحدي الغرور؛ بل الحقّ من ربّكم المهدي المنتظر خليفة الله على البشر زادني الله عليكم بسطةً في العلم فجعلني المُهيمن عليكم أجمعين بالقرآن العظيم فألجمكم بالحقّ إلجاماً حتى لا يكون أمامكم إلا التصديق بشأني أو تكفرون بهذا القرآن العظيم فلا خيار لكم، وانتهت مقدمة الخطاب..

وأقول يا معشر القرآنيين، هلمّوا لننظر هل الصلوات خمس في القرآن العظيم أم ثلاث؟ فلا تُجادلوني بأرقام ما أنزل الله بها من سلطان بل بآياتٍ من حديث الله من القرآن العربي المُبين لقومٍ يؤمنون، ومدّنا (حلمي 333) الباحث عن الحقيقة بآية أشدّ تفصيلاً تُبيِّن بأن ما قلته لكم أنه الحقّ بأن الصلوات خمسٌ وليست ثلاثاً ولسوف تجدها يا حلمي العليم ويكاد أن يهتدي إلى الصراط المستقيم في هذا الخطاب المتطور، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمُرسَلين محمد رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - وعلى جميع الأنبياء والمُرسَلين الذين من قبله وعلى جميع المسلمين التابعين ومن ابتغى غير الإسلام دينا فلن يُقبل منه وهو في الآخرة لمن الخاسرين، ولا نُفرق بين أحدٍ من رُسله ونحنُ له مُسلمون، ثمّ أمّا بعد..

إليكم الجواب على السؤال الأول وأهم الأسئلة أجمعين حول مواقيت الصلوات الخمس عمود الدين:

عليك أن تعلم أيها السائل بأن أمر الصلاة تلقّاه محمدٌ رسول الله مُباشرةً بالتكليم من وراء الحجاب ليلة الإسراء إلى المسجد الأقصى والمعراج إلى سدرة المُنتهى ليريه الله من آياته الكُبرى بعين اليقين بالعلم لا بالحُلم، وكذلك مرّ بأصحاب النّار الذين يدخلونها بغير حساب قبل يوم الحساب من شياطين الجنّ والإنس، وكذلك الذين تأخذهم العزة بالإثم بعد ما استيقنت الحقّ أنفسهم فأعرضوا عنه وهم يعلمون أنه الحقّ من ربّهم، أولئك يدخلون النّار بغير حساب قبل يوم الحساب، ويوم الحساب يُدخلون أشدّ العذاب.

وقد مرّ محمدٌ رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - بأصحاب النّار في طريقه ليلة الإسراء بجسده وروحه فشاهد أصحاب النّار بعين اليقين علماً وليس حُلماً بل أسري به بقدرة الله الواحد القهّار. تصديقاً لقول الله تعالى في كتابه القُرآن العظيم: {وَإِنَّا عَلَىٰ أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ ﴿٩٥﴾} صدق الله العظيم [المؤمنون].

وكان ذلك برغم المسافة العُظمى بين الثرى وسدرة المُنتهى والتي جعلها الله مُنتهى المعراج للمخلوق وما بعدها الخالق، وتلك الشجرة المُباركة لا شرقيّة ولا غربيّة نظراً لأنها تحيط بعرش الملكوت كُله شرقاً وغرباً، ولو كانت شرقيّة لعلمنا أنها صغيرة الحجم نظراً لتواجدها في مكانٍ بناحية الشرق ولو كانت غربيّة لرأينا الأمر كذلك، وبرغم جهة المشارق وجهة المغارب فلو كانت صغيرة لكانت إما شرقيّة وإما غربيّة ولكنّا وجدناها في القُرآن بأنها ليست شرقيّة وليست غربيّة، ومن ثمّ بحثنا عن هذه الشجرة المُباركة وعن سرها وموقعها فوجدناها هي العرش الأعظم والمُحيط بالسموات والأرض، بل وتحيط بالجنّة التي عرضها كعرض السموات والأرض.

وقد يود سائل أن يقول: "إذا كانت الجنّة عرضها السموات والأرض فكم الطول؟". ومن ثم نقول: ليس للكرة طول بل عرض، والكون كرة وتحيط به أربع عشرة كرة، وهُنّ السموات السبع والجنّة التي عرضها السموات والأرض، وكُل سماء أوسع حجماً من التي قبلها، بمعنى أن السماء الدُنيا هي أصغر السموات السبع وهي الطبق الأول، فيأتي من بعدها طبق السماء الثانية وهي الدور الثاني فتكون أكبر حجماً من الأولى، وكُل بناء سماء يحيط بالرقم الأدنى منه إلى أكبر السموات وهي الرقم سبعة أوسعهنّ حجماً وتحيط السماء السابعة بالسموات الست جميعاً وهي أوسعهنّ حجماً، وذلك معنى قوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴿٤٧﴾} صدق الله العظيم [الذاريات].

بمعنى أن كُل سماء تحيط بالأدنى منها فالسماء الأولى تحيط بها السماء الثانية لأنها أوسع منها حجماً، وكلما ارتفَعْت في السموات تجد بناءهنّ أوسع فأوسع إلى السماء السابعة، ومن ثمّ تأتي من بعد ذلك كُرة الجنّة التي عرضها كعرض السموات والأرض إلى الأرض الأم مركز الانفجار الكوني، ومن ثم تأتي من بعد ذلك الشجرة المُباركة والتي تحيط بما خلق الله أجمعين ومنتهى ما خلقه الله ومنتهى حدود الملكوت الشامل فتحيط بما قد خلق وهي تُحيط بالخلائق وأعلى منها الخالق يغشى السدرة ما يغشى من نور وجهه تعالى، بل هي عَلَم كبير يُعرف بها موقع الجنّة التي هي أقرب شيء إليها، وبما أننا نعلم بأن الجنّة عرضها كعرض السماء والأرض ولكنّا نجد بأن سدرة المُنتهى أعظمُ حجماً من الجنّة التي تُحيط بالسموات والأرض، وقد وصف الله لكم حجمها في القُرآن العظيم لمن يتدبر ويتفكر وقال الله تعالى: {عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ ﴿١٥﴾} صدق الله العظيم [النّجم].

فإن سألني أحدكم عن بيت فلان فقلت لهُ الجبل الفلاني عند بيت فلان الذي تسأل عنه لقاطعني قائلاً: "كيف تجعل الجبل وهو الأكبر علامة للبيت وهو الأصغر؟ بل قُل بيت فلان عند الجبل الفلاني". فأقول له: صدقت وصدق الله العظيم: {عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ ﴿١٥﴾}، وذلك لأن السدرة أكبر حجماً من الجنّة التي عرضها كعرض السموات والأرض، أم تظنونها شجرة صغيرة؟ فكيف تكون الجنّة عندها وأنتم تعلمون بأن الجنّة عرضها السموات والأرض.. أفلا تتفكرون؟! بل هي من آيات ربه الكُبرى التي رآها محمد رسول الله في مُنتهى موقع المعراج، فتلقى الكلمات من ربه من ورائها. تصديقاً لقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّـهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ} صدق الله العظيم [الشورى:51].

وهل تظنون الله كلم موسى تكليماً في البقعة المُباركة جهرةً؟ بل من الشجرة المباركة وقرّبه الله نجياً وموسى عليه الصلاة والسلام في الأرض، وقال الله تعالى: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّـهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴿٣٠﴾} صدق الله العظيم [القصص].

ولربّما يستغل الضالون هذه الآية فيؤولونها بالباطل؛ فأما قوله تعالى في شطر الآية الأول فيتكلم عن موقع موسى بأن موقعه في البقعة المُباركة من شاطئ الوادي الأيمن، وأما موقع الصوت فهو من الشجرة لذلك قال الله تعالى بأنه كلم موسى من الشجرة، وقال سبحانه: {نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّـهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}.

وأما النّار فالحكمة منها إحضار موسى إلى البقعة المُباركة، وهي في الحقيقة نور وليست ناراً، وإنما حسب ظن موسى بأنها نارٌ، ولكنهُ حين جاءها فلم يجدها ناراً بل نور آتٍ من سدرة المُنتهى، ولكنه لم يرَ موسى بأن هذا الضوء آتٍ من السماء بل كان يراه جاثماً على الأرض فأدهش ذلك موسى عليه الصلاة والسلام، ومن ثم وضع رجله على ذلك الضوء الجاثم على الأرض فلم يشعر له بحرارة مُستغرباً من هذا الضوء الجاثم على الأرض، فإذا بالصوت يُرحب به من الشجرة سدرة المُنتهى: {نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} صدق الله العظيم [النّمل:8].

فأما الذي بورك فهو موسى بعد دخوله دائرة النّور الذي ظنها ناراً، ومن ثم رأى بأن النّور في الحقيقة مُنبعث من السماء فرفع رأسه ناظراً لنور ربه المُنبعث من سدرة المُنتهى، ومن ثم عرّف الله لموسى بأن هذا النّور مُنبعث من نور وجهه سُبحانه. لذلك قال الله تعالى: {يَا مُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا اللَّـهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿٩﴾} صدق الله العظيم [النّمل].

وذلك لأن الله نور السموات والأرض ومن لم يجعل الله لهُ نوراً فما لهُ من نور، ولا يزال لدينا الكثير من البُرهان لتأويل الحقّ لهذه الآية والذي يريد أن يستغلها المسيح الدجال فترون ناراً سحرية لا أساس لها من الصحة، ثم ترونه إنساناً في وسطها فيكلمكم، وخسئ عدو الله ولأنه يقول بأنه أنزل هذا القُرآن سوف يعمد إلى هذه الآية وقد روّج لها أولياؤه تأويلاً بالباطل للتمهيد له، ولكنّا نعلم بأن الله ليس كمثله شيء فلا يشبه الإنسان وليس كمثله شيء من خلقه في السموات ولا في الأرض، وهيهات هيهات لما يمكرون.. وليس الله هو النّور بل النّور ينبعث من وجهه تعالى علواً كبيراً، وقال سُبحانه وتعالى: {اللَّـهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّـهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّـهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿٣٥﴾} صدق الله العظيم [النّور].

فلا تفكروا في ذاته، فكيف تتفكرون في شيء ليس كمثله شيء؟ وتعرَّفوا على عظمة الله من خلال آياته بين أيديكم ومن فوقكم ومن تحتكم، وتفكروا في خلق السموات والأرض ومن ثمّ لا تجدون في أنفسكم إلا التعظيم للخالق العظيم وأعينكم تسيل من الدمع مما عرفتم من عظمة الحقّ سُبحانه، ومن ثم تقولون ربنا ما خلقت هذا باطلاً سُبحانك فقنا عذاب النّار..

وأجبرني على بيان ذلك بُرهان حقيقة المعراج لمحمدٍ رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - من الثرى إلى سدرة المنتهى بالجسد والروح لكي يرى من آيات ربه الكُبرى بعين اليقين ثم يتلقى الوحي مُباشرة من ربّ العالمين في فرض الصلوات الخمس التي جعلهنّ الله الصلة بين العبد والمعبود من أقامهنّ أقام الدين ومن هدمهنّ هدم الدين، فانظروا لجواب أهل النّار على المؤمنين السائلين عن سبب دخولهم النّار: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ﴿٤٢﴾ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ﴿٤٣﴾} صدق الله العظيم [المدثر].

وقد يقول أحد المُسلمين من الذين لا يُصلون: "إنّما تخصّ هذه الآية الكفار"، ومن ثم نقول لهُ: إذا لم تُصلِّ فأنت منهم والعهد الذي بيننا وبينهم ترك الصلاة، فإذا لم يسجد جبينك لربك فأنت متكبرٌ بغير الحقّ وعصيت أمر ربّك وأطعت أمر الشيطان في عدم السجود لله ربّ العالمين يوم يُدعَون وأولياؤهم إلى السجود فلا يستطيعون، وقد كانوا يُدعَون للسجود لله في الدنيا وهم سالمون.

وأما مواقيت الصلوات الخمس فقد جاء ذلك في القُرآن العظيم بأن ثلاثاً من الصلوات الخمس جعل الله ميقاتهنّ في زُلفةٍ من الليل؛ في أوله وآخره، ومعنى الزُلفة أي: ميقات قريب من أول النّهار وآخره، وأما اثنتين فجعلهنّ الله في النّهار فتكونا في طرفي نهار العشي.

ونهار العشي من الظُهر وينتهي بغروب الشمس، وقال الله تعالى: {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ ﴿٣١﴾ فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ ﴿٣٢﴾} صدق الله العظيم [ص].

فمن خلال هذه الآية نفهم بأن نهار العشي طرفه الأول حين تكون الشمس بمنتصف السماء وطرفه الآخر عند الغروب فينتهي وقت صلاة العصر بتواري الشمس بالحجاب، فيدخل ميقات صلاة المغرب فيستمر إلى غسق الليل، فيدخل ميقات صلاة العشاء، وقال الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ} صدق الله العظيم [هود:114].

وأما: {طَرَفَيِ النَّهَارِ} فهو يتكلم عن نهار العشيّ، وطَرفيه هما: الظهر في طرف نهار العشيّ الأول فيكون عند وقت صلاة الظُهر، والطرف الآخر في وقت صلاة العصر إلى الغروب وتواري الشمس بالحجاب. وأما: {وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ} فقد بيّنا بأن الزُلفة أي: الوقت القريب من النّهار سواء في قطعٍ من أول الليل وهو: وقت صلاة المغرب والعشاء، أو قطعٍ من آخر الليل وهو: وقت صلاة الفجر، ويمتد ميقاتها إلى لحظة طلوع الشمس.

ولربّما يودّ ابن عُمر أو غيره أن يقول: "مهلاً إنما يقصد طرفي النّهار أي الفجر والمغرب، فكيف تجعل طرف النّهار وسطه؟". ومن ثمّ نقول له: اعلم بأن النّهار يتكون من نهار الغدو وهو من طلوع الشمس إلى المُنتصف والانكسار فيدخل نهار العشيّ، وأطراف نهار الغدو والعشيّ تحتويهما بالضبط صلاة الظهر، وقال الله تعالى: {فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ۖ وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ ﴿١٣٠﴾} صدق الله العظيم [طه].

. فأما قوله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ} وذلك ميقات التسبيح لله في صلاة الفجر، وينتهي ميقاتها بطلوع الشمس، وميقاتها من الدلوك إلى الشروق بطلوع الشمس.

. وأما قوله تعالى: {وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} وذلك ميقات التسبيح لله في صلاة العصر، وينتهي ميقاتها بتواري الشمس وراء الحجاب.

. وأما قوله تعالى: {وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ} وهو أوانه الأول ويبتدئ من الشفق بعد الغروب إلى الغسق؛ وذلك ميقات صلاة المغرب والعشاء، وهُن قريبات من بعض فصلاة المغرب منذ أن تتوارى الشمس في الحجاب إلى إقبال الغسق فيدخل ميقات صلاة العشاء، وذلك هو آناء الليل، ويقصد أوانه الأول من الشفق إلى الغسق.

. وأما قوله تعالى: {وَأَطْرَافَ النَّهَارِ} وهو مُلتقى أطراف نهار الغدو ونهار العشيّ، ومجمعهما في ميقات صلاة الظهر. ولا أظنّ أحداً الآن سوف يقاطعني ليقول: "بل معنى قوله وأطراف النّهار أي طرفه من الفجر وطرفه الآخر هو العصر". فنقول: ولكنك كررت صلوات وأضعت أُخَر، فتدبّر الآية جيداً تجد بأنه ذكر ميقات صلاة الفجر وكذلك ميقات صلاة العصر، فكيف تظن قوله وأطراف النّهار بأنه يقصد صلاة الفجر والعصر وهو قد ذكرهم بقوله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا}؟ إذاً ليس لك إلا أن توقن بأنه حقاً ميقات صلاة الظهر يكون في مجمع أطراف النّهار، ومجمع أطراف نهار الغدوة ونهار الروحة يحتويهما وقت صلاة الظهر.

ومن ثم نأتيكم بآية من القرآن العظيم تؤكد ما سلف ذكره بأن الصلوات خمسٌ وليست ثلاثاً، وقال الله تعالى:
{فَسُبْحَانَ اللَّـهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ﴿١٧﴾ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ ﴿١٨﴾}
صدق الله العظيم [الروم].

وإلى التأويل المُطابق بالحقّ مع الآيات التي ذكرناها من قبل؛ {فَسُبْحَانَ اللَّـهِ حِينَ تُمْسُونَ}، وإنما الحين هو: الوقت المُحدد للتسبيح في الصلوات لذلك يقول {حِينَ}. وأما التسبيح المطلق فهو: في النّوافل والذكر وهي في أي وقت من الأوقات. كمثال قوله تعالى: {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا ﴿٧﴾} صدق الله العظيم [المزمل].

وأما إذا تم التحديد بقوله: {حِينَ} فذلك تحديد الوقت، وذلك الوقت قد أصبح معلوماً للتسبيح لله في الفرض. تصديقاً لقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} صدق الله العظيم [النّساء:103]، يكون وقت صلاة مفروضة بلا شك أو ريب نظراً لتحديد وقت التسبيح، ويقصد بذلك التسبيح لله في صلاة مفروضة ألستم إذا ركعتم تُسبّحون وتحمدون وإذا سجدتم تُسبّحون وتحمدون؟ وقال الله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّـهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ﴿١٧﴾ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ ﴿١٨﴾} صدق الله العظيم.

وإلى التأويل؛ {فَسُبْحَانَ اللَّـهِ حِينَ تُمْسُونَ} وذلك تحديد الوقت للتسبيح من الشفق بعد غروب الشمس إلى الغسق وذلك هو حين تمسون، وهو أول الليل، ويقصد بذلك وقت صلاة المغرب من الشفق بعد غروب الشمس إلى الغسق وهو دخول ميقات صلاة العشاء، فذلك هو معنى القول: {حِينَ تُمْسُونَ} وهو زُلَفاً من أول الليل، وذلك الذكر والتسبيح في صلاة المغرب والعشاء.

وأما قوله تعالى: {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} وذلك الوقت المعلوم للذكر والتسبيح في صلاة الفجر.

وأما قوله تعالى: {وَعَشِيًّا} وذلك الوقت المعلوم لصلاة العصر، وجاء مُطابقاً لما سبق ذكره وبيانه وبرهانه في أول الخطاب هذا بأن العشيّ هو العصر.

وأما قوله تعالى: {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} وذلك هو الوقت المعلوم لصلاة الظهر.

ونأتي الآن لذكر الصلاة الوسطى ويقصد بأنها وسطى من ناحية وقتيّة ولا يقصد وسطى من ناحية عدديّة، وقال الله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّـهِ قَانِتِينَ ﴿٢٣٨﴾} صدق الله العظيم [البقرة].

وهذا أمر إلهي بالحفاظ على الخمس صلوات وهنّ: الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء، ومن ثمّ كرّر التنويه بالحفاظ على الصلاة الوسطى نظراً لميقاتها الصعب، ومن ثم أمرنا أن نقوم فيها بدعاء القنوت لله ولا ندعو سواه ولا ندعو مع الله أحداً، وكذلك هذه الصلاة مشهودة من قِبَل المُعقِّبات والدوريات الملائكية وتلك هي صلاة الفجر، وصلاة الفجر هي الصلاة الوسطى ودخول ميقاتها هو الوحيد المعلوم في القُرآن بمنتهى الدقة للجاهل والعالم، وذلك في قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} صدق الله العظيم [البقرة:187].

فميقاتها بالوسط بين الليل والنّهار وتلك لحظة الإمساك والأذان للفجر والإمساك معاً، ومن ثم يتمون الصيام إلى الليل وهو ميقات صلاة المغرب، ومن ثم يأتي ذكر الصلوات الخمس مع التنويه والتوضيح أيهم الصلاة الوسطى، وذلك في قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴿٧٨﴾} صدق الله العظيم [الإسراء].

وهذه الآية تحتوي على الصلوات الخمس مع تكرار التنويه للحفاظ على الصلاة الوسطى مع التوضيح أيهم من الصلوات، وقال الله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّـهِ قَانِتِينَ ﴿٢٣٨﴾}، فقد بيّن لنا أيهم بإشارة دعاء القنوت فيها وتلك هي الصلاة الوسطى، ومن ثمّ تأتي آية أخرى للتوضيح أكثر للصلاة الوسطى بعد أن ذكر الوقت الشامل للصلوات الخمس في قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴿٧٨﴾} صدق الله العظيم، فهذه الآية ذكرت جميع الصلوات الخمس بدءاً من دلوك الشمس بالأرض من ناحية المشرق فتبيّن لنا الخيط الأسود من الخيط الأبيض من الفجر، فهل كان ذلك إلا بسبب دلوك الشمس من المشرق؟ وذلك ميقات صلاة الفجر أول ما يقوم النّائم المصلي لأدائها، فيستمر في أداء الصلوات الخمس من أوّلهن عند دلوك الشمس، فيبيّن لنا دلوك الشمس ظهور الخيط الأبيض بالمشرق إلى غسق الليل وهي آخر الصلوات وتلك هي صلاة العشاء، ومن ثم يأتي التنويه للقيام والحفاظ على الصلاة الوسطى. وذلك قوله تعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} صدق الله العظيم.

إذاً صلاة الفجر هي الصلاة الوسطى، تصديقاً لقول الله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ ﴿١﴾ وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ ﴿٢﴾} صدق الله العظيم [الليل].

وذلك الليل يغشى النّهار من جهة الفجر فيكوّر الليل على النّهار من ميقات صلاة الفجر يولج الليل في النّهار يطلبه حثيثاً. إذاً أقسم الله بوقت واحدٍ وهو ميقات صلاة الفجر. وكذلك قول الله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ﴿١٧﴾ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ﴿١٨﴾} صدق الله العظيم [التكوير].

وكذلك أقسم بوقت صلاة الفجر، فمعنى قوله: {عَسْعَسَ} أي أدبر وانجلى وتنفس الصُبح. ولربّما يريد أحدكم أن يُجادلني فيقول: "بل أقسم بوقتين وهما المغرب بقوله: {عَسْعَسَ} والفجر بقوله: {تَنَفَّسَ}". ومن ثمّ أردّ عليه فأقول: ولكني لا أفسر القرآن بالظنّ مثلك بل أقول إنهُ أقسم في هذه الآية بوقتٍ واحدٍ وهو وقت صلاة الفجر، وتعال لأعلمك بالبرهان الأوضح لهذه الآية، وقال الله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ ﴿٣٣﴾ وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ ﴿٣٤﴾} صدق الله العظيم [المدثر].

فهل ترى البيان واضحاً وجليّاً بأنهُ وقتٌ واحدٌ وليس وقتين؟ والليل إذا أدبر أي: ولَّى، والصبح إذا أسفر أي: ظَهر، وجاء هذا القسم ليُبيّن قسماً آخر وهو: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ﴿١٧﴾ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ﴿١٨﴾} صدق الله العظيم.

وقد علمناكم بأن معنى عسعس أي: أدبر، والصبح إذا تنفس أي: ظَهَر، وتلك هي الصلاة الوسطى لو كُنتم تعلمون وهي صلاة الفجر، ولكنكم حسبتموها من ناحية عدديّة بأنّها العصر والقرآن حسبها من ناحية وقتيّة بأنها الفجر، وذلك لأن ميقاته يكون في الخيط الأبيض، والخيط الأبيض هو خط وسط بين الليل والنّهار، وذلك لأن ظهوره عند تنفس النّهار وإدبار الليل فهو في الوسط لذلك يسميه القُرآن الصلاة الوسطى، ولو كنتم تخشون أن تقولوا على الله ما لا تعلمون لرجعتم إلى القرآن ولن يترك الله لكم الحجّة فسوف تجدون القرآن يوضحها لكم في موقع آخر في نفس الموضوع، فقد ذكر الصلاة الوسطى في آيةٍ مُبهمةٍ فيها الصلاة الوسطى، ولكنهُ جعل لها إشارة بأنها تلك الصلاة التي علّمكم رسول الله أن تقنتوا فيها نظراً لأنها في أول النّهار وقبل بدء النّشور في الأعمال، وأن عليكم أن تقوموا فيها لله قانتين بالدعاء بعد الركوع الأخير، وقال الله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّـهِ قَانِتِينَ ﴿٢٣٨﴾} صدق الله العظيم [البقرة].

ومن ثم بيّنها الله لكم في آيةٍ أخرى وأنها التي يُجهر فيها بالقرآن، وقال الله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴿٧٨﴾} صدق الله العظيم [الإسراء].

فتَلقَّيتُم نفسَ الأمرِ في قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّـهِ قَانِتِينَ ﴿٢٣٨﴾}، بمعنى أن تحافظوا على الصلوات الخمس ثم نوَّه على الحفاظ على الصلاة الوسطى نظراً لأنها في ميقات صعب طرف السُبات الأخير عند بزوغ الفجر يؤذن المؤذن وعندها تمسكون عن الطعام وعن الشراب في شهر رمضان، ولكن للأسف جعلوا الدلوك هو الاختفاء وكأن صلاة المغرب هي الأولى، بل الدلوك هو اقتراب النّهار، ويتبيّن لك ظهوره بخيطه الأبيض إلى جانب الأرض من الشرق. فهل أنتم مؤمنون ومتّبعون الهادي إلى الصراط المُستقيم؟

ونأتي الآن لنفي عذاب القبر في حُفرة السوءة، فهلمّوا يا معشر علماء السُّنة أشد النّاس عقيدةً بأنّ العذاب من بعد الموت يكون في القبر، وبهذه العقيدة أنكروا حقيقة الإسراء والمعراج، وذلك لأنّ محمداً رسول الله وجد الكفار المجرمين في نار جهنم يتعذبون جميعاً وليسوا أشتاتاً في قبورهم، وكذلك جعلتم للكفار عليكم سلطاناً بهذه العقيدة التي ما أنزل الله بها من سلطان بأن العذاب من بعد الموت في القبر حُفرة السوءة، فهلمّوا لننظر الفتوى الحقّ من القرآن العظيم..
______________________


المهديّ المنتظر يعلن بنتيجة النّصر من قبل الحوار لأنّ معلِّمي الواحد القهّار ..


بسم الله الرحمن الرحيم.
من المهديّ المنتظَر من أهل البيت المُطهّر خليفة الله في الأرض الإمام ناصر محمد اليماني إلى جميع علماء المسلمين على مختلف مذاهبهم وفرقهم وطوائفهم أجمعين، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. ثمّ أمّا بعد..

يا معشر علماء الأمّة إنّي أُشهد الله وملائكته وجميع الصالحين من جِنِّهِم وإنْسهم وكلّ ما يدبُّ في الأرض أو يطير بجناحيه من أُممٍ أمثالكم ثمّ إلى ربّهم يحشرون بأنّي أتحدّاكم أجمعين بالحقّ وليس تحدي الغرور للنزول إلى ميدان المبارزة بالحوار بالعلم والمنطق والقرآن العظيم في يميني وسنة محمدٍ رسول الله الحقّ في يساري، بالرجوع إلى الحقّ إن كنتم تؤمنون بالله ورسوله واليوم الآخر.

ولربّما يلومني أحدكم فيقول: "كيف تُعلن بنتيجة النّصر مقدماً من قبل الحوار ولا يزال ذلك في علم الغيب ولربّما يُلجمك علماء الأمّة ويخرسوا لسانك بالحقّ فما يدريك بأنّك من سوف تُلجمهم وتنتصر عليهم فتكون حُجّتك هي الداحضة؟" ومن ثمّ نردّ عليه ونقول: إنّ الرَّجل الصالح حين جاء إليه كليم الله موسى عليه الصلاة والسلام وقال له هل أتّبعك على أن تُعلّمني مما عُلّمت رُشداً؟ وقال له الرجل الصالح:
{إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴿٦٧} صدق الله العظيم [الكهف].

ومن ثمّ ردّ عليه رسول الله وكليمه موسى وقال:
{سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّـهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ﴿٦٩} صدق الله العظيم [الكهف].

ومن ثمّ انظروا إلى النتيجة الحقّ التي أعلنها الرجل الصالح قبل بدء الرحلة هل تحققت؟ ونقول بلى كان قوله حقّاً تحقق، ولم نجد رسول الله وكليمه موسى عليه الصلاة والسلام صبر حتى على واحدةٍ! وكلما أخلَّ الشرط المتفق عليه موسى قال له الرجل الصالح: ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبراً؟ ومن ثمّ حكم موسى على نفسه بعد قتل الغلام وقال:
{إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي ۖ قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا} صدق الله العظيم [الكهف:76].

ولكن موسى سأله عن فعلٍ أدنى من ذلك بكثير ليس إلّا مجرد بناء ولم يستطِع الصبر، ثمّ قال الرجل الصالح:
{قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا ﴿٧٨﴾} صدق الله العظيم [الكهف].

وبعد أن أخبره بالتأويل للأفعال التي لم يستطع عليها صبراً والحكمة من ذلك قال الرجل الصالح:
{وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا} صدق الله العظيم [الكهف].

وكذلك المهديّ المُنتظَر لم يقل هذه النتيجة عن أمره من ذات نفسه؛ بل بإلهامٍ من مُعلمي الله الواحد القهّار، فإن تبيّن للمسلمين بأنّي ألجمت علماءهم بالحقّ إلجاماً وانتصرت عليهم بالحوار بالمنطق الحقّ وأخرست ألسنتهم فلم يجد الذين لا تأخذهم العزّة بالإثم في أنفسهم حرجاً مما قضيت بالحكم الحقّ ويُسلّموا تسليماً فقد تبيّن لجميع المسلمين بأنّي حقاً المهديّ المُنتظَر خليفة الله على البشر وأنّ مُعلّمي حقاً الحقّ الله الواحد القهّار، وإن ألجمني علماء الأمّة فقد أصبحت من المهديين الضالّين بوسوسة الشيطان الرجيم وما كان وحي تفهيم من الحيّ القيوم فلتكونوا يا معشر المسلمين على ذلك من الشاهدين، فلنبدأ الحوار بإذن الله الواحد القهّار وتوكلت على الله ومن يتوكل على الله فهو حسبه إنّ الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيءٍ قدراً. ربِّ زدني علماً إنك أنت السميعُ العليم إنك قُلت وقولك الحقّ:
{وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بالحقّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ﴿٣٣﴾‏} صدق الله العظيم [الفرقان].

وإلى طاولة الحوار وقد أفلح اليوم من استعلى بالحقّ بالقول الحقّ والسلطان المُبين من القُرآن..

يا معشر علماء الأمّة، إني أنا المهديّ المُنتظَر الحقّ حقيقٌ لا أقول على الله إلّا الحقّ من الذكر الحقّ لمن شاء منكم أن يستقيم فأهديه إلى الصراط ـــــــــ المستقيم بالقرآن العظيم والذي أمرني ربّي أن أستمسك به كما أمر الله جدّي محمداً رسول الله ومن معه بالاستمساك بالقرآن العظيم وأنّه حجّة الله على رسوله وعلى المؤمنين وسوف يُسألون، وقال الله تعالى:
{فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴿٤٣﴾ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴿٤٤﴾} صدق الله العظيم [الزخرف].

ويا معشر علماء الأمّة، لقد اتّبعتم أحاديث فريقٍ من الذين أوتوا الكتاب من الصحابة ظاهر الأمر فردّوكم بعد إيمانكم كافرين، وأخرجوكم عن الصراط ــــــــ المستقيم وأنتم لا تعلمون بأنّ عقيدتكم قد أصبحت عقيدةً في الباطل وأنّكم قد كفرتم بعقائد أُمّ الكتاب في القرآن العظيم، ولو لم تزالوا على الهدى لما جاء قدر عصري وظهوري لأهديكم والمسلمين والنّاس أجمعين إلى صراط العزيز الحميد، ولم يبقَ من القرآن إلّا رسمه بين أيديكم ومن الإسلام إلّا اسمه ليس إلّا كجنسيةٍ تنتمون إليها إلّا من رحم ربّي، وركنتُم إلى الدنيا وأصابكم الوهن فأحببتم القصور ونسيتم القبور، وألهتكم الدنيا عن الآخرة فأحببتم الحياة وكرهتم الموت، وليس ذلك فحسب بل لا تأمرون بالمعروف ولا تنهون عن المنكر، وليس ذلك فحسب بل ترون الحقّ باطلاً والباطل حقاً، وذلك حال الأمّة فأصبحتم أذلةً في الأرض، وتداعت عليكم أُمم الكفر كافةً فلم تُقاتلوهم كافةً كما أمركم ربّكم إن قاتلوكم، وقال الله تعالى:
{وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} صدق الله العظيم [التوبة:36].

وأنا المهديّ المُنتظَر أُفتي وأحرّم على المسلمين أن يقتلوا كافراً لم يُقاتلهم ولم يصدّ دعوتهم ولو لم يؤمن بها فلا إكراه في الدّين، أأنتم تكرهون النّاس حتى يكونوا مؤمنين؟! ومن قتل كافراً بحجّة أنّه كافر فكأنما قتل النّاس جميعاً؛ سيئة ذلك في الكتاب عند ربّ العالمين، ومن قتل كفاراً لم يُقاتلوه فقد اعتدى على حدود الله.

وقال الله تعالى:
{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴿١٩٠﴾} صدق الله العظيم [البقرة].

ويا معشر المجاهدين إنما ابتعث الله محمداً رسول
الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - رحمةً للعالمين فكونوا دُعاةً على بصيرةٍ من ربّكم في العالمين، ومن تصدّى لدعوتكم ومنعكم فهنا وجب عليكم قتاله بكل ما أوتيتم من قوة، ولا تقاتلوا من لم يُقاتلوكم في الدّين من الكافرين، وأقسطوا إليهم وعاملوهم معاملةً حسنة، وابتسموا لهم وقولوا لهم قولاً كريماً وجادلوهم بالتي هي أحسن واعفوا عنهم واصفحوا ولا تحقدوا عليهم لأنهم كافرين. كلا ثمّ كلا إن الله لم ينهَكم عنهم في القرآن العظيم ما داموا لم يقاتلوكم في الدّين ولم يخرجوكم من دياركم، بل أمركم الله أن تبرُّوهم وتقسطوا إليهم وإن كانوا كافرين، وقال الله تعالى: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدّين وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴿٨﴾} صدق الله العظيم [الممتحنة].

ولكن المهديّ المُنتظر يُحذّر قادة المسلمين وجميع المسلمين عن موالاة الذين يقاتلونكم في الدّين بحجّة الإرهاب ويخرجونكم من دياركم أو يُظاهرون فيعاونون على إخراجكم، فإنّه محرّمٌ عليكم موالاتهم ودعم اقتصادهم بالشراء منهم أو البيع لهم، فإنّه محرمٌ عليكم إن كنتم مؤمنين، وإن خفتم عيلةً يغنيكم الله من فضله إنّ الله لا يخلف الميعاد. فلا تقبلوا لهم سفاراتٍ ولا علاقاتٍ ما داموا يُقاتلون إخوانكم المسلمين ويخرجوهم من ديارهم أو يُظاهرون فيناصرون على إخراجهم بالسلاح أو بالمال وغيره نصرةً للمعتدين فإنّه محرمٌ عليكم التعامل معهم حتى يكفّوا عن الاعتداء على المسلمين، ومن يتولّهم منكم فإنه منهم. تصديقاً لقول الله تعالى:
{إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدّين وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴿٩﴾} صدق الله العظيم [الممتحنة].

ويا معشر المسلمين إنما جعلني الله لكم إماماً لأهديكم صراطاً مستقيماً، وقائداً حكيماً لتصحيح عقائدكم التي أفسدها المفترون على الله ورسوله.

وأنا المهديّ المُنتظَر أكفر بأنه يوجد هناك عذاب في القبر، وحفرة السوءة لستر جثمان الميت ليس إلّا سُنة غرابٍ بأمرٍ من الله ليُري القاتل من أبناء آدم كيف يواري سوءة أخيه فيسترها في حفرة في التراب حتى لا تنهشها الكلاب والذئاب، ولكنّ الأحاديث المُفتراة جعلت من ذلك أسطورة لا لها أول ولا آخر، وأنّ القبر يحترق ويضيق حتى يُحطّم أضلاع المُسيء! وذلك حتى يشكك الباحثون عن الحقيقة في صدق عقيدة المسلمين في شأن عذاب القبر، ثمّ لا يجدون ما يعتقده المسلمون، ثم يقولون: "إنّ المسلمين على ضلالٍ فلم نجد في قبور كفارٍ نعلم بأنهم غيرُ مسلمين فبحثنا عنهم بعد حين ثمّ وجدنا الجثة لم تتحرك عن الوضع الذي تركناها عليه شيئاً، ولو عادت الروح إليه ولو برهةً لغيّر الميت وضعه من شدة العذاب! وكذلك لم نجد النّار قد اشتعلت في قبورهم، وكذلك لم نجد القبر ضاق عليهم حتى حطم أضلاعهم؛ بل وجدنا الجثة تحللت فأكلها الدود وعادت تراب، والهيكل العظمي كالوضع الذي تركنا الجثة عليه ولم نجد أضلاعه قد تحطمت شيئاً بل قائمة عارية من اللحم."

ثُمّ يزداد الباحثون كفراً بالإسلام وبما جاء به محمد رسول - الله صلّى الله عليه وآله وسلّم - وذلك هو ما يريده المفترون على الله ورسوله في شأن عذاب القبر.

وأنا المهديّ المُنتظَر أُفتي من القرآن العظيم فأنكر بأنّ العذاب البرزخيّ في حفرة السوءة؛ بل العذاب البرزخيّ على الروح التي لا تحيطون بعلمها ولا تستطيعون إرجاعها إلى جسدها: {الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء:85] أي قدرة ربّي كُن فيكون.


فهل تظنّون الروح التي هي من قدرة ربّي لا تستطيع أن تحيا إلّا بجسدها؟ كلا ثمّ كلا، فإن الروح لا تموت بفراق الجسد بل يموت الجسد بفراقها؛ بل هي التي تجعل الجسد حياً، وهي من قدرة الله كُن فيكون فكيف لقدرة الله أن لا تستطيع الحياة إلّا بالجسد؟ بل لا تحتاج للجسد بل الجسد هو المُحتاج إليها فلا يكون حياً إلّا بوجودها فيه وإذا غادرته فارق الحياة.

والحياة هي الروح، وأنت بالروح لا بالجسم إنساناً؛ بل هي المالكة لجميع الحواس الخمس فتجعله يرى ويتكلم ويتحرك ويتألم ويشمّ ويطعم ويفرح ويبكي ويحبّ ويكره، فإذا غادرت الجسد يموت الجسد بفراقها وهي لا تموت، فإمّا في الجّنة والنّعيم وإمّا في العذاب والجحيم وإمّا أن تكون من الأرواح المُنظَرة عند بارئها من الكفار الذين ماتوا من القرى قبل مبعث الرسل إليها فلا يكونوا في نعيمٍ ولا يكونوا في جحيمٍ. تصديقاً لقوله تعالى:
{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا} صدق الله العظيم [الإسراء:15].

أولئك لا يعلمون بأنّ الله يبعث الموتى حتى إذا بعثهم الله من مراقد سوآتهم فيقولون:
{يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا} صدق الله العظيم [يس:52].

ثُمّ يفتيهم المُنذَرون من قبل:
{هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} صدق الله العظيم [يس:52].

وقال تعالى:
{وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿٥٢﴾ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ ۚ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بالحقّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نردّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ۚ قَدْ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴿٥٣﴾} صدق الله العظيم [الأعراف].

أولئك الكفار الذين ماتوا من القرى قبل مبعث الرسل إليهم هم أصحاب الأعراف، ولهم حجّة على ربّهم لأنهم ماتوا قبل مبعث الرُّسل إليهم، وقال الله تعالى:
{رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حجّة بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴿١٦٥﴾} صدق الله العظيم [النساء].

فهم ليسوا في عذابٍ في الحياة البرزخيّة ولا في النّعيم، وكذلك يوم القيامة ليسوا في الجّنة وليسوا في النّار؛ بل على الأعراف منتظرون لرحمة ربّهم ويطمعون أن يدخلهم جنّته برحمته ولا يجعلهم مع أصحاب الجحيم، وكلّمهم الله بوحي التّفهيم أن يسألوه برحمته أن يدخلهم جنّته وأن لا يجعلهم مع أصحاب الجحيم وقال الله تعالى:
{وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ ۚ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ ۚ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الجّنة أَن سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۚ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ ﴿٤٦﴾ وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النّار قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴿٤٧﴾ وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ ﴿٤٨﴾ أَهَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ} صدق الله العظيم [الأعراف:46-49].

ويقصدون أهل الجّنة بقولهم:
{ أَهَٰؤُلَاءِ } يا معشر الكفار الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمته؟ ثُمّ يستجيب ربّهم لدعوتهم برحمته فيناديهم من وراء الحجاب فيُكلِّمهم تكليماً فيقول لأهل الأعراف أرحم الراحمين: {ادْخُلُوا الجّنة لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ} صدق الله العظيم [الأعراف:49].

وبالنسبة للأرواح فمنها ما هو معذَّبٌ ومنها ما هو منعَّمٌ ومكرَّمٌ وأولئك هم المُقربون الذين يدخلون الجّنة بغير حساب قبل يوم الحساب، وأمّا الأرواح الخبيثة فتلك عالم شياطين الجنّ والإنس يدخلون النّار بغير حساب من قبل يوم الحساب.

وبالنسبة للمقربين فهم قد أصبحوا ملائكةً من البشر أحياء عند ربّهم يُرزقون، وأما أصحاب اليمين فسلامٌ لك من أصحاب اليمين، ولكنهم لا يدخلون الجّنة قبل يوم الحساب، ويسمّون أصحاب اليمين وذلك لأنها سوف تُعطى لهم كتبٌ بأيمانهم، ويوجد هُناك كفارٌ كذلك لا يدخلون النّار قبل يوم الحساب؛ بل يؤخّر دخولهم حتى يتسلمون كتبهم بشمائلهم ولذلك يُسَمَّون أصحاب الشمال، وهؤلاء كانوا ضالين أي ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم مهتدون ولم يكونوا يعلمون أنهم على ضلالٍ مبينٍ، فهؤلاء لم يكن الله غاضبٌ عليهم إلّا أنه ليس راضيّاً عليهم لأنهم ضلّوا عن الصراط المستقيم.

وأمّا غضبُ الله وسخطه فهو على طائفةٍ لم يكونوا من الضالين الذين ضلّ سعيهم في الحياة وهم يحسبون أنّهم مهتدون؛ بل إذا رأوا سبيل الحقّ لا يتخذونه سبيلاً لأنهم يعلمون أنه سبيل الحقّ وهم للحقّ كارهون، وإذا رأوا سبيل الباطل يتخذونه سبيلاً لأنهم يعلمون أنه سبيل الضلال فيضلّون وهم يعلمون أنهم في طريق الضلال المبين، وينقمون ممّن آمن بالله واتّبع رسله ولم يشرك بالله شيئاً فيتخذونه لهم عدواً مبيناً لأنه وحَّدَ الله ربّ العالمين ولم يُشرك به شيئاً فهذا لا يحبونه ويكيدون له لو استطاعوا وعليه ينقمون وعليه يألمون، ومن رأوه أشرك بالله فهو ينال رضاهم، ويحكم الله بيننا وبينهم، وقال الله تعالى:
{ذَٰلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ۖ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا ۚ فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ﴿١٢﴾} صدق الله العظيم [غافر].

وأولئك هم المغضوب عليهم يعبدون الشيطان الرجيم لأنهم يعلمون أنّهُ عدوٌّ لله ربّ العالمين وأنّه الطاغوت فيتخذون هاروت وقبيله ماروت أولياء من دون الله ومثلهم:
{كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ ۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} صدق الله العظيم [العنكبوت:41].

ولن يغنوا عنهم من الله شيئاً كما لم يغنِ بيت العنكبوت من البرد ولا من الحَرّ فهو أوهن البيوت وإنّما هو شبكةٌ لصيد رزق العنكبوت، ولكن لو كان أحدهم تشبّث ببيت العنكبوت فهل يُغنيه عن البرد أو يقيه من الحرّ أو يمسكه من الوقوع؟ وذلك نتيجة الذين اتّخذوا من دون الله أولياء فلن يغنوا عنهم من الله شيئاً، أولئك من أشدّ الكفار على الرحمن عتيّاً، ونعلم أنّهم أولى بنار جهنّم صِليّاَ، وذلك لأنّهم مؤمنون بالله ربّ العالمين ثمّ يكفرون به لأنهم يعلمون أنه الحقّ وهم للحقّ كارهون، فلا يتّخذون إليه سبيلاً ويتّخذون من افترى على الله خليلاً؛ أولئك ملعونون أينما ثُقِفوا أُخِذوا وقُتّلوا تقتيلاً، سُنّة الله في الذين خلوا أمثالهم ولن تجد لسنة الله تبديلاً؛ أولئك جاءت طائفةٌٌ منهم إلى محمدٍ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - وقالوا نشهد أن لا إله إلّا الله ونشهدُ أنّ محمداً رسول الله كذباً ليس إلّا ظاهر الأمر وهم يبطنون الكُفر وهم يعلمون بأنّ الله حقّ ورسوله حقّ فاتّخذوا أيمانهم جُنّةً ليكونوا من رواة الحديث، فصدّوكم عن سبيل الله يا معشر المسلمين وافتروا على الله ورسوله بأحاديث تخالف هذا القرآن جملةً وتفصيلاً.

ومن الأحاديث المُفتراة أحاديث عذاب القبر أجمعين، فأوهموكم بأنّ عذاب البرزخ هو في قبر السوءة فجعلوا ذلك عقيدةً لدى المسلمين وذلك حتى يظلّ النّاس أجمعون في شكٍ من العذاب بعد الموت لأنّهم لا يجدون ما يعتقد به المسلمون من عذاب القبر.

ولولا هذه العقيدة التي ما أنزل الله بها من سلطان لاعتنق كثيرٌ من النّاس الإسلام لأنّهم وجدوا كثيراً من العلوم الحديثة مطابقةً لما جاء في القرآن العظيم، ولكن عقيدة عذاب القبر تصدّهم عن الإيمان لأنّهم لم يجدوا الكفار من أمواتهم يتعذبون في قبورهم كما يعتقد المسلمون! ونجح الصحابة المنافقون من اليهود فصدّوا عن سبيل الله؛ ألا ساء ما يفعلون.

ويا معشر علماء الأمّة، لقد أخبركم محمدٌ رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - بالقاعدة التي تستطيعون من خلالها أن تُميّزوا الأحاديث الحقّ من الأحاديث المُفتراة، فقال لكم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم:
[ما تشابه مع القرآن فهو مني] صدق رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ بمعنى أنّ ما وجدتموه من أحاديثه مُخالفاً لحديث ربّه في القرآن المحفوظ فهو ليس منه؛ بل من عند غير الله ورسوله.

وكذلك يا معشر علماء الأمّة علّمكم الله بنفس هذه القاعدة بنصّ القرآن العظيم وأنّه ما وجدتم من الأحاديث لرسوله بأنّ بينها وبين القرآن اختلافاً كثيراً فإنّ ذلك من عند غير الله ورسوله، وقال الله تعالى:
{وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ ۖ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ ۖ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴿٨١﴾ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقرآن ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴿٨٢﴾} صدق الله العظيم [النساء].

فكيف يا معشر علماء السُّنّة تُنكِرون هذا الحديث الحقّ في سنّة رسول الله والذي يتطابق مع حديث الله في القرآن العظيم وينطقان بالقاعدة والنّاموس والقانون الواحد في طريقة اكتشاف الأحاديث المدسوسة عن رسول الله كذباً في سنّته ولم ينطق بها محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ فهل ترون يا معشر أهل السُّنة بأنّكم ضلَلْتم عن السُّنّة وعن القرآن؟ فاتّبعوني أهدِكم صراطاً مستقيماً.

وكذلك كثيرٌ من الشيعة ضلّوا ضلالاً بعيداً، وكذلك جميع المذاهب الإسلاميّة إلّا من استمسك بما استمسك به محمد رسول الله وقومه من الذين معه قلباً وقالباً، فتعالوا لننظر بماذا استمسكوا؟ إنّه القرآن العظيم:
{فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴿٤٣﴾ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴿٤٤﴾} صدق الله العظيم [الزخرف].

إذاً القرآن حجّة الله على رسوله وعلى المؤمنين، وإنّما محمدٌ رسول الله يهدي النّاس بالقرآن ويُبيّنه لهم، والأحاديث الحقّ جاءت بياناً لبعض آيات القرآن العظيم. تصديقاً لقول الله تعالى:
{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} صدق الله العظيم [النحل:44].

وذلك لأنّ القرآن نورٌ بيد محمد رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - ليُخرج النّاس من الظلمات إلى النّور، وقال الله تعالى:
{يَا أيّها النّاس قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن ربّكم وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا ﴿١٧٤﴾ فأمّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ﴿١٧٥﴾} صدق الله العظيم [النساء].

ويا معشر علماء الأمّة سبق وأن أنكرتُ عذاب القبر في خطاب قبل هذا بأكثر من سنتين ولم يتجرّأ أحد من علماء الأمّة أن يُفتي بأنّ ناصر اليماني على باطل، وسوف ننسخ لكم نفس الخطاب القديم في شأن عذاب القبر الذي ما أنزل الله به من سلطان في القرآن.
_____________


ناصر اليماني يدعو العلماء إلى الحوار عبر الإنترنت العالميّة ..

بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين على أمور الدُّنيا والدين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمُرسَلين إلى النّاس كافة، وعلى جميع رُسل الله في الأوّلين والآخرين، وعلى من تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، ثمّ أما بعد..

يا معشر علماء الأمّة إنّي أدعوكم إلى الحوار للعودة إلى كتاب الله وسُنّة رسوله لجمع شملكم وتوحيد صفّكم، وأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون مستنبطاً الحُكم الحقّ والقول الفصل من كتاب الله، وأُحقُّ الحقّ وأبطل الباطل الذي أضافته اليهود عن رسول الله كذباً، ولن أستطيع إقناعكم ما لم تعتصموا بحبل الله جميعاً، فإن أبيتُم فستظلّون على تفرّقكم وفشلكم. وكيف أستطيع إقناعكم بالحقّ ما لم تستجيبوا إلى داعي الحقّ وهو الرجوع إلى كتاب الله؟ وتالله لا أعلم بحلٍّ لجمع شتاتكم غير ذلك، فإنّكم قد وقعتم فيما نهاكم الله عنه وفرّقتم دينكم شيعاً وكلّ حزبٍ بما لديهم فرحون. ولكن حزب الله ليس إلّا واحداً، وهم من كانوا على ما كان عليه محمد رسول الله والذين معه قلباً وقالباً ولا يقولون على الله ورسوله غير الحقّ. فتعالوا لننظر بما استمسك به محمدٌ رسول الله والذين معه وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ﴿١٧٠﴾} صدق الله العظيم [الأعراف].

وقال تعالى: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴿٤٣﴾ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴿٤٤﴾} صدق الله العظيم [الزخرف].

وقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴿٩﴾} صدق الله العظيم [الحجر].

ويا معشر علماء الأمّة، ألا ترون بأنّ الذِّكْر المحفوظ حجّة الله على محمدٍ رسول الله إن لم يعمل به ويُبلّغ النّاس به، وكذلك حجّة الله على المسلمين إن اتّخذوا هذا القرآن مهجوراً واستمسكوا بما خالف هذا القرآن جملةً وتفصيلاً؟ غير أنّي لا أكفر بسُنّة رسول الله الحقّ التي إمّا أن توافق هذا القرآن أو لا تخالف هذا القرآن ولو لم أجد لبعض الأحاديث برهاناً في القرآن فيجب عليّ الأخذ به ما دام قد رُوي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وإن كان حديثاً مُفترى فليس عليَّ إثمٌ شيئاً؛ بل إثمه على من افتراه.

أما إذا وجدت الحديث قد خالف ما أنزله الله في القرآن فجاء مُخالفاً للآيات المحكمات البيّنات ومن ثمّ آخذ به فقد كفرت بهذا القرآن العظيم واتَّبعت أحاديث فريقٍ من الذين أوتوا الكتاب من الذين حذّرنا الله منهم وحذّر رسوله، أولئك فريق تظاهروا بالإسلام كذباً فصدّوا عن سبيل الله بأحاديث ما أنزل الله بها من سلطان، وقال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّـهُ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿١٠٩﴾} صدق الله العظيم [البقرة].

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ﴿١٠٠﴾ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّـهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ۗ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّـهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴿١٠١﴾} صدق الله العظيم [آل عمران].

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا ﴿١٧٤﴾ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ﴿١٧٥﴾} صدق الله العظيم [النساء].

يا معشر علماء أمّة الإسلام، لقد تفرّقتم إلى أحزابٍ وشيعٍ وقد جعلني الله حكماً بينكم بالحقّ، وربّما يأتي في بعض خطاباتي أمرٌ موجود من قَبْلُ عند بعض طوائفكم وتنكره طائفةٌ أخرى، ثمّ يزعم بعض الجاهلين بأنّي أنتمي إلى مذهب هذه الطائفة غير أنّه لو يتتبّع خطاباتي لوجد بأنّي أخالفها في أمرٍ آخر ويوجد هذا الأمر عند طائفةٍ أُخرى.

يا معشر علماء الأمّة، إنّما أنا حَكَمٌ بينكم بالحقّ فيما كنتم فيه تختلفون من أمور دينكم، ولا ينبغي لي أن أستنبط حكمي من غير كتاب الله ذلك لأنّي لو استنبطت حكمي من السُنّة لما استطعت أن أقنعكم بالحكم الحقّ، ذلك بأنّ الذين لا يوافق هواهم الحكم الحقّ سوف يطعنون في الحديث الحقّ وفيمن رواه وأنّه ليس عن رسول الله أو يضعِّفوه أو يقولوا فيه إدراج، ومن ثمّ ندخل في جدالٍ وحوارٍ طويلٍ ربّما لا نخرج منه بنتيجة، فيذهب كل منّا وهو مُصِرٌّ على جداله.

فمن أجل ذلك أتحدّى جميع علماء المسلمين على مختلف مذاهبهم وفِرقهم بالحكم الحقّ مستنبطاً لهم من آيات القرآن العظيم ولن أجعل لهم عليّ سلطاناً فأحكم بالقياس أو اجتهاداً مني ثمّ أقول: والله أعلم ربّما يكون حُكمي صحيحاً وربّما أخطأت! هذا قول لن آخذ به ولن أقبله من أيّ عالِمٍ، بل أحاوركم بآياتٍ في نفس الموضوع فلا نحيد عنه قيد شعرة، فمن اهتدى فلنفسه ومن أبى وقال: "حسبي ما وجدت عليه سلفي الذين من قبلي" فأقول: حتى لو خالف القرآن؟ فهذا هو قول الجاهلية الأولى؛ "هذا ما وجدنا عليه آباءنا فكيف أُفرّط في سلفي الصالح؟" ولو كان سوف يُجادلني بآيةٍ من القرآن لما استطاع أن يغلبني شيئاً كما سيزعم، ذلك بأنّي سوف آخذ هذه الآية التي يُجادلني بها فأفسّرها خيراً منه وأحسن تفسيراً.

يا معشر علماء الأمّة الإسلاميّة، إن كنتم تؤمنون بكتاب الله حقَّ إيمانه فإنّي أتحدّاكم بالحقّ وليس تحدي الغرور، فلنحتكم إلى كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه هُدًى ورحمةً للمؤمنين محفوظ إلى يوم الدين.

أما سُنّة رسول الله فقد استطاع الباطل أن يأتيها من بين يديها في عهد رسول الله ومِن خلفها من بعد وفاته وحرّفوا فيها كثيراً، ولم يعِدكم الله بحفظها من التحريف ولكنّه سبحانه وتعالى لم يجعل لكم عليه سلطاناً؛ بل بيّن لكم في القرآن بأنّ ما كان من أحاديث السُّنّة من عند غير الله فسوف نجد بينه وبين القرآن اختلافاً كثيراً، فمن آمن بهذه القاعدة فقد هُدي إلى صراطٍ مستقيمٍ واعتصم بحبل الله القرآن العظيم، ومن قال بأنّ السُّنّةَ تنسخ القرآن وأصرّ على ذلك فقد كفر بالقرآن، فلا أستطيع إقناعه أبداً وسوف يحكم الله بيني وبينه بالحقّ وهو خير الحاكمين.

يا معشر علماء الأمّة، لقد وجدت في كتاب الله بأّنهُ يوجد هناك عذابٌ للكفار من بعد الموت غير أنّ الله ورسوله لم يقولا بأنّ العذاب البرزخيّ يوجد في هذه الحُفرة التي تحفرونها لستر سوءات أمواتكم، فأيّ افتراءٍ أوقعكم فيه اليهود! بل كما يعلم الله لولا هذه العقيدة التي ما أنزل الله بها من سلطانٍ لاعتنق كثيرٌ من النّاس دين الإسلام، ولكنّكم أخبرتموهم بأنّ قبور الكفار تشتعل ناراً وتضيق عليهم حتى تتحطّم أضلاعهم، فبحثوا عن صحة هذه العقيدة على الواقع الحقيقي لقبر أحد الكفار بعد حينٍ من موته فوجدوا بأنّ الأضلاع لم تتحطّم شيئاً ولم يجدوا هذا القبر يحترق ناراً غير أنّهم وجدوا الجثة قد عادت إلى أصلها تراب وإذا الأضلاع قائمة وليس بها أي كسر، ووجدوا الهيكل العظمي كالوضع الذي تركوه عليه ولم تعُد الحياة لهذا الجسد بعد أن تركوه، ولو عادت الروح إلى الجسد ولو برهةً لتحرّك الميّت وغيّر وضعه السابق. ومن ثمّ خرج الباحثون عن حقيقة عقيدة المسلمين في عذاب القبر بنتيجة هي المزيد من الكفر وإقامة الحجّة على المسلمين بأنّهم لم يجدوا مما يعتقدونه شيئاً، فنجح اليهود بمكر عذاب القبر في صدّ الكثير من العالمين. ولكنّ القرآن يُنكر ذلك جملةً وتفصيلاً ويؤكّد العذاب بعد الموت مباشرةً.

إمّا في نعيمٍ وإمّا في جحيم؛ ما بعد الدنيا مِن دارٍ إلّا الجّنة أو النّار، وأرواح أهل النّار في النّار، وأرواح أهل الجّنة في الجّنة، فأمّا الذين سوف يدخلون الجّنة ولا تُسلَّم لهم كتب أولئك هم المقربون السابقون بالخيرات والشهداء في سبيل الله، وأمّا الذين سوف تُصرف لهم كتب فهم سيدخلون الجّنة بحساب ويؤجل دخولهم إلى يوم الحساب؛ أولئك هم أصحاب اليمين.

والروح من أمر قدرته تعالى لا تموت أبداً، فهي التي ترى وتسمع وتتكلم وتشمّ وتطعم وتحس وتتألم وتحب وتكره، فهذه الروح التي هي من أمر قدرة ربّي كُن فيكون هي التي جعلت هذا الجسد حيّاً ويتحرك سعياً وتحمله في الطلوع وتمسكه في النزول وتشم وتطعم وترى وتتكلم وتحس وتتألم، فهل رأى أحدكم في المنام بأنّه يتعذب رغم أنه لم يلمس جسده شيء؟ ولكنّه أحسّ بالعذاب في الحلم كما يحسّه في العلم تماماً ولم يكن الفرق بينهما شيئاً حتى إذا أفاق وإذا بقلبه لم يزل يركض من الهلع والفزع، وقال محمد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: [كفى بالمرء أن يوعظ في منامه] صدق رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.

إن في ذلك لآيةً لكم، فلو كنتم تعقلون لما جادلتم في عذاب البرزخ شيئاً ولآمنتم بأنّ الروح من أمر ربّي وما أوتيتم من العلم إلّا قليلاً، ولكنّكم تظنّون بأنّ الروح لا تحيا بدون الجسد، فكيف تتعذّب بدون جسدها؟ فلا بد أن تعود إلى الجسد في القبر لكي ترى وتسمع وتتكلم وتتألّم، ولكنّكم ترون في المنام وأنتم لم تستخدموا أعينكم وتألّمتم ولم يمسَّ جلودكم شيء، فلماذا لا تؤمنون بالعذاب من بعد الموت يا معشر الكفار؟ وأين ذهبت أرواحكم بعد أن خرجت من الجسد الذي أصبح ساكناً بسبب خروج الروح؟ ذلك بأنّ الروح من أمر الله، وروح قدرته تعالى لا تحتاج إلى الجسد لكي تحيا؛ بل هي التي تجعل الجسد حياً فإذا فارقته فارق الحياة.

إذاً سرّ الحياة في الروح، فأنت بالروح لا بالجسم إنساناً.

فيا معشر علماء أمّة الإسلام ألم يقل الله لكم في القرآن بأنّ العذاب البرزخيّ على الأنفس فقط بعد خروجهن من الأجساد في نفس اليوم فتذهب إلى عالَم العذاب تاركةً الجسد وراءها فيموت لفراقها ويعود إلى أصله تراب؟ وأخبركم القرآن بهذا العذاب البرزخيّ على النّفس بعد خروجها من الجسد، وقال الله تعالى: {وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ ۖ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّـهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} صدق الله العظيم [الأنعام:93].

ولكن هل تقتحم من الأرض إلى السماء؟ نقول لا تقتحم أرواح الكفار بل ترتفع إلى مكانٍ دون السماء وفوق الأرض ثمّ يكونون مَلأً أعلى بالنسبة لأهل الأرض ولكنّهم دون السماء، ذلك بأنّ الملائكة تحملهم إلى السماء فلا تفتحُ لهم السماءُ أبوابها للاختراق إلى الجّنة ومن ثمّ تسقطهم الملائكة فيخرّون من السماء إلى مكانٍ سحيقٍ وهي النّار، وتوجد دون السماء وفوق الأرض فهي بين السماء والأرض، وقال الله تعالى: {وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ ﴿٤٩﴾ جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ ﴿٥٠﴾ مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ ﴿٥١﴾ وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ ﴿٥٢﴾ هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ ﴿٥٣﴾ إِنَّ هَـٰذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ ﴿٥٤﴾ هَـٰذَا ۚ وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ ﴿٥٥﴾ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴿٥٦﴾ هَـٰذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ ﴿٥٧﴾} صدق الله العظيم [ص].

يا معشر علماء الأمّة تيقّظوا فسوف ينتقل سياق الآية إلى عذابٍ آخر، وهو العذاب البرزخيّ بعد الموت وقبل البعث، ولكنّ أموات الكفار لا يجدون أُناساً قد ماتوا قبلهم وكانوا يعدُّونهم من الأشرار، لأنّهم يذكرون آلهتهم بسوء وقاموا بقتلهم، ولكنّهم لم يجدوهم أمامهم في النّار ذلك لأنّهم في علّيّين في نعيمٍ عند ربّهم يُرزقون.

وعلينا أن نعود إلى مواصلة الآية التي تتحدّث عن نعيم وجحيم يوم القيامة، ثمّ انتقل الوصف إلى عذابٍ آخر وهو العذاب البرزخيّ. قال تعالى: {وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ ﴿٥٨﴾} صدق الله العظيم [ص]، والعذاب الآخر هو العذاب البرزخيّ من بعد الموت وقبل البعث.

ثم يصف الله حوارهم: {هَـٰذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ} صدق الله العظيم [ص:59]، وقال هذا ملائكةُ خزنة جهنّم يبشِّرون أصحاب النّار بقدوم فوجٍ من الكفار مقتحمين من الأرض من بعد أن أهلكهم الله بعد تكذيبهم لرسل ربّهم. فانظروا إلى الجواب من أصحاب النّار الأولين ولم يرحّبوا بالضيوف الجدد: {لَا مَرْحَبًا بِهِمْ ۚ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ ﴿٥٩﴾ قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ ۖ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا ۖ فَبِئْسَ الْقَرَارُ ﴿٦٠﴾ قَالُوا رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَـٰذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ ﴿٦١﴾} صدق الله العظيم [ص].

ومن ثمّ تلفّتوا يساراً ويميناً هل يجدون أُناساً كانوا يذكرون آلهتهم بسوءٍ وصدّقوا الأنبياء وقد قاموا بقتلهم؟ ولكنّهم لم يجدوهم في النّار مع الهالكين الأولين: {وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَىٰ رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ ﴿٦٢﴾ أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ ﴿٦٣﴾ إِنَّ ذَٰلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ﴿٦٤﴾} .. إلى قوله: {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ ﴿٦٧﴾ أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ ﴿٦٨﴾ مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَىٰ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴿٦٩﴾} صدق الله العظيم [ص].

فهل تبيّن لكم يا معشر علماء الأمّة بأنّ النّار فوق الأرض ودون السماء؟ وتستنبطون ذلك من قصة تخاصمهم في قوله تعالى: {إِنَّ ذَٰلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ﴿٦٤﴾} .. إلى قوله: {مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَىٰ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴿٦٩﴾} صدق الله العظيم.

إذاً أهل النّار بالنسبة لأهل الأرض ملأٌ أعلى، وبالنسبة لأهل الجّنة فأهل النّار ملأٌ أدنى، ذلك لأنّ النّار توجد دون السماء وفوق الأرض، أم إنّكم لا تصدّقون بقصة خاتم الأنبياء والمُرسَلين بأنّه أُسري به إلى المسجد الأقصى ثمّ إلى سدرة المنتهى بالأفق الأعلى، وإنّه مرّ بأهل النّار في طريق المعراج وشهِد عذابهم البرزخيّ؟ ألا ترون كيف أنّ القرآن قد وافق مؤكداً قصة الإسراء والمعراج وأنّ النّار كانت على طريق رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - في ليلة المعراج فمرّ بهم وشهِد عذابهم تصديقاً لوعد الله لرسوله في القرآن العظيم في قوله تعالى: {وَإِنَّا عَلَىٰ أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ ﴿٩٥﴾} صدق الله العظيم [المؤمنون].

ولكن بعقيدتكم بأنّ العذاب البرزخيّ في القبر وكلّاً يتعذب على حِدة في قبره قد نفيتم قصة معراج الرسول، ذلك بأنّ رسول الله قال بأنّه وجدهم في النّار جميعاً وليسوا أشتاتاً في قبورهم. وهل جعل الله القبر إلّا سُنّة غرابٍ إلّا لكي يكون ذلك بعيداً عن العقائد، فعلّمنا الغراب كيف نواري سوءة أمواتنا وذلك ستراً للعورة وحفظاً لرائحة الجثة النتنة للإنسان؛ بل هي أعظم نتانةً من رائحة جسد الحيوان، وذلك تكريماً لجسد الإنسان فلا تأكله الكلاب والذئاب. ولكن اليهود جعلوا من ذلك أسطورة كأسطورة فتنة المسيح الدجال يقول يا سماء أمطري فتمطر! ويا أرض أنبتي فتنبت! ويعيد الروح إلى جسدها! إلى غير ذلك من الخزعبلات التي ما أنزل الله بها من سلطانٍ، ولا يوجد لخزعبلاتهم برهانٌ واحدٌ فقط في القرآن، ولكنّنا نثبت بأنّ أرواح أهل النّار في النّار من بعد موتهم وقال تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ ۖ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ ۚ بَلَىٰ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٢٨﴾ فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ﴿٢٩﴾} صدق الله العظيم [النحل].

وكذلك يوم القيامة يُردّون إلى أشدِّ العذاب بالروح والجسم معاً وقال تعالى في قصة مؤمن آل فرعون، قال: {فَوَقَاهُ اللَّـهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ۖ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ﴿٤٥﴾ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴿٤٦﴾} صدق الله العظيم [غافر].

يا معشر علماء الأمّة، قد تبيّن عالَمٌ دون السماء وفوق الأرض، وقال تعالى: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ ﴿٦﴾} صدق الله العظيم [طه]، فعليكم أن تعلموا بأنّ هذه الآية تتكلم عن عوالمٍ ولا تتكلم عن ذات السماء والأرض والكواكب والنجوم، فقال: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} وتعلمون بأنّ السموات السبع مليئةٌ بالملائكة. وأما قوله: {وَمَا بَيْنَهُمَا} فتلك عوالم أهل النّار في النّار دون السماء وفوق الأرض. وأما قوله: {وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ} فذلك هو المسيح الدجال وجيوشه يوجدون في باطن الأرض تحت الثرى في الأرض المفروشة.

يا معشر علماء الأمّة، ربّما الجاهلون منكم يقولون: "ما بال هذا اليماني يريدُ أن يشكّكنا في عقيدتنا في عذاب القبر؟" فأقول: تالله بأنّ ما يجلب للكفار الشكّ في الإسلام غير عقيدتكم في عذاب القبر الذي ما أنزل الله به من سلطانٍ، ومن كان عنده سلطاناً على عذاب القبر من القرآن فليأتنا به إن كان من الصادقين! ذلك بأنّ القرآن يقول غير ذلك بأنّ العذاب على النّفس فقط من دون الجسم، واستنبطنا لكم ذلك من القرآن وكذلك استنبطنا لكم بأنّها تصعد إلى السماء ثمّ لا تفتح لها السماء أبوابها، ثمّ يلقون بها في النّار دون السماء وفوق الأرض، وأثبتنا لكم ذلك من القرآن حتى تأكّد لنا حقيقة مرور الرسول على أصحاب النّار في معراجه.

ومن كان له أيّ اعتراض على خطابنا فيلجمني من القرآن فليتفضل مشكوراً فيبرهن للناس بأنّي على ضلالٍ مبينٍ إن كان من الصادقين.. وسلامُ الله على جميع علماء المسلمين وأمّة الإسلام أجمعين، وسلامٌ على المُرسَلين، والحمدُ لله ربّ العالمين.

ومن كان له أيّ اعتراضٍ على خطابنا فيلجمني من القرآن فليتفضل مشكوراً فيبرهن للناس بأنّني على ضلالٍ مبينٍ إن كان يراني كذلك، وأمّا أن تأخذهُ العزّة بالإثم فيقول: هههه. ويقصد بذلك ضحكة الاستهزاء فيُنكر ثم يولّي مدبراً فأقول: عفى الله عنك وأرجو من الله أن يهديني وإياك إلى صراطٍ مستقيمٍ وإلى الله قصد السبيل فلا تجادل في الله بغير علمٍ ولا هدًى ولا كتابٍ منيرٍ، فهذا غلطٌ ولا أقبله وأتحدّى بعلمٍ وكتابٍ منيرٍ، والسلام على من اتّبع الهُدى من النّاس أجمعين.

أخو المسلمين في الله ويحبّهم في الله ناصر محمد اليماني ..
__________________



ونأتي الآن لنفيِ حدٍّ موضوعٍ يهوديٍّ في السُّنة المحمديّة ..

بسم الله الرحمن الرحيم، من المهدي المُنتظر خليفة الله في الأرض عبد النّعيم الأعظم الإمام ناصر محمد اليماني إلى جميع عُلماء الدين الإسلامي الحنيف، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى جميع المُسلمين في الأوّلين وفي الآخرين وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين، وسلامٌ على المُرسَلين والحمدُ لله ربّ العالمين، ثمّ أمّا بعد..

يا معشر عُلماء الدين الإسلامي الحنيف لقد جعلني الله إمامَ الأمّةِ ليكشف بي الغُمّة وأُخرج النّاس من الظُلمات إلى النّور ما عدا شياطين الجنّ والإنس حتى يذوقوا وبال أمرهم، وأجعل ما دون ذلك بإذن الله أمةً واحدةً، نعبد الله كما ينبغي أن يُعبد لا نُشرك به شيئاً ولا يتَّخذ بعضُنا بعضاً أرباباً من دون الله ولا ندعو مع الله أحداً..

ويا معشر عُلماء المُسلمين وتالله لا أريدكم أن تكونوا ساذجين فتُصدِّقوا بأني المهدي المُنتظر ما لم أُلجمكم بالحقّ وأخرس ألسنتكم بمنطق هذا القرآن العظيم الكتاب المُبارك المحفوظ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه في عهد رسول الله لتحريفه ولا من خلفه بعد مماته فلا يستطيعون أن يحرّفوا كلمة واحدة من حديث الله في القرآن العظيم، وذلك حتى يكون القرآن حجّة الله عليكم إن اتّبعتم أحاديثَ تُخالف حديث الله جملةً وتفصيلاً، وقد جعل الله كتابه المحفوظ القرآن العظيم حجّتي عليكم أو حجّتكم عليّ، فإمّا أن ألجمكم بالبرهان الواضح والبيّن من القرآن إلجاماً فأخرس ألسنتكم بمنطقه الحقّ والحجّة القاهرة للجدل يدركها ذو العقل ويفقهها أولو الألباب الذين لا يُقاطعون ويستمعون القول إلى آخره فيتّبعون أحسنه ولا تأخذهم العزّة بالإثم إن اكتشفوا بأنهم كانوا على ضلالٍ مبينٍ، وسوف يعلمون بأني الحقّ من ربّهم الإمام المُنتظر رحمة الله التي وسعت كُل شيء إلا اليائسين من رحمة الله كما يئس الكُفار من أصحاب القبور، وأولئك هم المُبلِسون يؤمنون كما يؤمن الشيطان الرجيم بأن الله حقٌّ والبعث حقٌّ والجنّة حقٌّ والنّار حقٌّ ولكنهم بربّهم كافرون وهم يعلمون أنهُ الحقّ، وللحق كارهون، فإذا علموا سبيل الحقّ لا يتخذونه سبيلاً وإذا علموا سبيل الباطل اتّخذوه سبيلاً، ويتخذون من افترى على الله خليلاً، ملعونين أينما ثُقفوا أخذوا وقتّلوا تقتيلاً إلا قليلاً منهم من الذين لا يعلمون إن صدّقوا بالحقّ فسوف يؤتيهم الله من لدُنه أجراً عظيماً ويهديهم صراطاً مُستقيماً. تصديقاً لقول الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ۖ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ﴿٦٦﴾ وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا ﴿٦٧﴾ وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ﴿٦٨﴾} صدق الله العظيم [النّساء].

وكذلك من تاب من جميع شياطين الجنّ والإنس فسوف يجد بأن رحمة الله وسعت كُل شيء حتى إبليس الشيطان الرجيم عدو الله اللدود لو ينيب إلى ربّ العالمين تائباً مُخلصاً فيأتي ساجداً لخليفة الله في الأرض بالطاعة سجوداً لأمر الله فسوف يجد بأن رحمة ربّي وسعت كُل شيء وأن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم. وذلك لأن الشيطان عبدٌ من ضمن عبيد الله من الذين أسرفوا على أنفسهم وقنطوا من رحمة الله ويشمله قول الله الشامل والموجَّه بنصّ القرآن العظيم إلى جميع عباده الذين أسرفوا على أنفسهم من كُل فصيلة وجنس في جميع الأمم ما يدبُّ أو يطير، وقال الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴿٥٣﴾ وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ ﴿٥٤﴾ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ﴿٥٥﴾ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّـهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴿٥٦﴾ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّـهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴿٥٧﴾ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴿٥٨﴾ بَلَىٰ قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴿٥٩﴾} صدق الله العظيم [الزمر].

وإن أصرّوا على ما هم عليه يائسين من رحمة ربّي فسوف يزيدهم الله بالقرآن العظيم رجساً إلى رجسهم، ثم يصيبهم بعذاب من عنده فيدمرهم تدميراً أو بأيدينا فنأخذهم فنُقَتِّلهم تقتيلاً، سُنة الله في الذين خلوا ولن تجد لسُنة الله تبديلاً.

ويا معشر عُلماء المُسلمين، لقد أخرجتكم طائفة من اليهود من النّور إلى الظلمات فردّوكم عن القرآن بل عن آياتٍ مُحكمات واتبعتم ما خالف المُحكَم منه وأنتم لا تعلمون، ولو لم تزالوا على الهُدى لما جاء ميلادي وعصري وقَدَر ظهوري لأخرجكم من الظُلمات إلى النّور بالقرآن العظيم لمن شاء منكم أن يستقيم تائباً مُنيباً إلى الله فسوف يأخذ الله بيده فيحقق له مشيئتَه بالفعل والعمل إلى صراط العزيز الحميد ويهدي الله من يشاء الهُدى من عباده ويهدي الله إليه من يريد من عباده الهدى ويهدي إليه من يُنيب من عباده ولا يظلم ربك أحداً فيهدي هذا ويضل هذا؛ بل يهدي من يشاء الهُدى من عباده ويذر من لا يشاؤون الهدى في طُغيانهم يعمهون، إن الله لا يظلم النّاس شيئاً ولكنّ النّاس أنفسَهم يظلمون، والذين يُجاهدون بالبحث عن الحقيقة وهم يريدون الحقّ ولا غير الحقّ، فحقٌّ على الله أن يهديهم إلى سبيل الحقّ. تصديقاً لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّـهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴿٦٩﴾} صدق الله العظيم [العنكبوت].

وتالله لا تؤمنون بأمري ما لم تتألمون في أنفسكم فتخشون بأني لربّما أكون المهدي المنتظر وأنتم عن أمري مُعرضون ثم لا تأخذكم العزّة بالإثم ثم تتدبّرون الخطاب من أوّله إلى آخره وأنتم لله خاشعون فتقولون: "اللهم إن كان هذا هو المهدي المُنتظر الحقّ فبصِّرنا بأمره واجعلنا من السابقين إليه، وإن كان مُفترِياً كغيره من المهديين السابقين فاجعل لنا الحجّة عليه فنلجمه من القرآن إلجاماً، وإن ألجمَنا بالقرآن وأخرس ألسنتَنا فقد قدم البُرهان وعلِمنا بأنك اصطفيته إماماً لنا وزدته بسطةً في العلم علينا وجعلته من أولي الأمر مِنّا من الذين أمرتنا بطاعتهم بعد الله ورسوله وعلَّمتهم كيف يستنبطون الحكم الحقَّ من القرآن فيما اختلف فيه عُلماء الحديث". فمن قال ذلك صادقاً أصدَقه الله، ومن أبى واستكبر ولم يتدبر ولم يحاور فمن لم يجعل الله له نوراً فما لهُ من نور..

وانتهت مُقدمة الخطاب بالبيان الحقّ للقرآن وأقدم لكم البرهان لنفي الرجم للزاني والزانية المتزوجة والذي ما أنزل الله به من سُلطان وأنزل الله حدَّ الزنا في القرآن فجعله من الآيات المفروضات البيّنات المُحكمات الواضحات هنّ أمُّ الكتاب ولكنكم نبذتُموه وراء ظهوركم يا معشر عُلماء الأمّة واتبعتم حدّاً وضعه اليهود حتى لا تستطيعوا أن تحكموا، وإن حكمتم أهلكتم أنفساً ولم يأمركم الله بقتلها بغير الحقّ، بل أمركم أن تجلدوا الزاني والزانية بمائة جلدة سواء كان الزاني مُتزوجاً أو عازباً، فاجلدوا كُلَّ واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفةٌ في دين الله وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين للعظة والعبرة، وذلك خزيٌ عظيمٌ لدى الزاني المؤمن ويودّ لو أنكم تقتلونه فتحسنون قتله ولا عذاب الخزي بمائة جلدة أمام طائفة من المؤمنين، فليس ذلك يسير يا قوم وكفى به حدًّا للذين يأتون الزنا.. إنه كان فاحشةً وساء سبيلاً.

وأنا المهدي المُنتظر الإمام الشامل للمسلمين أقول: يا عجبي من عُلماء الدين الإسلامي الحنيف الذين يعلمون بأنّ الأَمَة الزانية عليها نصف ما على المحصنة الحرّة من العذاب ومن ثمّ يقولون: "إنما يقصد المائة جلدة للحرّة العزباء بأن نجلد الأَمَة المتزوجة بنصف ما على المرأة العزباء الحرّة الغير متزوجة، أما الحرّة أو الحرّ المتزوج فليس حدّهما غير الرجم حتى الموت"! فبالله عليكم أهذا حُكمٌ عدلٌ في نظركم يا معشر عُلماء الأمّة؟ فكيف إنكم تجلدون الأمَة المتزوجة أو العبد المتزوج بنصف ما على الأحرار من العذاب ومن ثم تحصرون المائة جلدة على الحرّ أو الحرّة الغير متزوجين؟ فما لكم كيف تحكمون؟! ألم تجدوا الحكم واضحاً وجليّاً في القرآن العظيم وقال الله تعالى: {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} صدق الله العظيم [النّساء:25].

بمعنى أن عليهن نصف ما على المُحصنات الحرّات من نساء المُسلمين سواء كانت الحرّة متزوجة أو غير متزوجة، فحدّ الزنا في كتاب الله مائة جلدة للحرّة والحرّ، وكذلك الزانية والزاني من العبيد فلكل واحد منهما نصف ما على الحرّ أو الحرّة من العذاب سواء كان العبد متزوجاً أو غير متزوج، وكذلك الأَمَة خمسين جلدة سواء كانت الأَمَة متزوجة أو غير متزوجة فعليها نصف ما على المحصنات بالدين الحرات المؤمنات سواء كانت الحرّة متزوجة أو غير متزوجة فعذابها مائة جلدة.

وأنا المهدي المُنتظر أوجه سؤالاً إلى عُلماء الدين الإسلامي الحنيف وهو: كيف تجدون حدّ الزنا للأَمَة بنَصّ القرآن العظيم بأن حدَّها خمسون جلدة مع أنها متزوجة ولم يأمركم الله أن تجلدوها مائة جلدة حدّ الحرّة المُسلمة؛ بل قال الله تعالى: {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} صدق الله العظيم، مع أن هذه الأمّة متزوجة ثم تجعلون بالمقابل الزانية الحرّة المتزوجة الرجم بالحجارة حتى الموت؟! فهل هذا حُكم عدل في نظركم؟ أليست جميعهن متزوجات الأمّة والحرّة؟ فأمّا الأَمة فلا تجدون عليها الحدّ الكامل مائة جلدة مع أنها متزوجة بل خمسون جلدةً بنَصّ القرآن العظيم، فقلتم إن ذلك نصف ما على العزباء وإن المائة جلدة هي حدّ الحرّة العزباء! فنقول: أليست هذه الحرّة الزانية عزباء ولا زوج لها وهذه الأمَة متزوجة فعمدت إلى الزنا؟ فكيف تظنون بأن المائة جلدة للحرّة المسلمة العزباء وأما الزانية الحرّة المتزوجة فرجمٌ بالحجارة حتى الموت مع أن الحرّة والأمّة متزوجات فتجدون بأن حدّ الأمَة المتزوجة ليس إلا خمسين جلدة فقط! فكيف تجعلون لنظيرتها الحرّة المتزوجة الرجم بالحجارة حتى الموت؟ ما لكم كيف تحكمون؟ فقد حرّم الله على نفسه الظلم فكيف يأمركم أن تجلدوا الأمَة المتزوجة بخمسين جلدة ثم يأمركم أن ترجموا أَمَته الحرّة المتزوجة بالحجارة حتى الموت؟ سبحان الله عمّا تصفون!! فأتوني بالبرهان لهذا الحدّ من القرآن بالرجم بالحجارة حتى الموت للزاني أو الزانية المُتزوجين من المُسلمين الأحرار إن كنتم صادقين، فتعالوا لنحتكم إلى القرآن العظيم المرجعيّة الحقّ لما اختلف فيه عُلماء الحديث في السُّنة فسوف تجدون حدّ الزنا من أشدِّ آيات القرآن العظيم بياناً وأشدها وضوحاً، وذلك لأن حدّ الزنا من الآيات المُحكمات والتي جعلهنّ الله هنّ أمّ الكتاب في أحكام هذا الدين الإسلامي الحنيف فتدبروا قبل الغُنّة والقلقلة التي جعلتم جُل اهتمامكم في الغنّة والقلقلة وأضعتم المعنى فأصبحتم تحفظون ما لا تفهمون كمثل الحمار يحمل أسفاراً ولكنهُ لا يعلم ما في الوعاء الذي يحمله على ظهره، وكذلك من يقرأ القرآن للحفظ قبل التدبر فسوف ينطبق عليه هذا المثل وذلك لأن الله أمركم بنصّ القرآن العظيم بالتدبر في آيات هذا الكتاب المُبارك حتى إذا فهمتم حديث ربّكم فعندها سوف يكون الحفظ يسيراً عليكم من بعد الفهم ولن تنسوه أبداً وذلك لأنكم فهمتم ثم تيسر عليكم الحفظ كثيراً لو كنتم تعلمون فتدبروا سورة النّور لعل الله يجعل لكم نوراً ومن لم يجعل الله لهُ من نورٍ فما لهُ من نور، وقال الله تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴿١﴾ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّـهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿٢﴾} صدق الله العظيم [النّور].

وهذا هو الحدّ للزنا الذي أنزله الله في القرآن العظيم للزانية والزاني من المُسلمين والمسلمات الأحرار سواءً كان الزاني متزوجاً أو عازباً غير متزوج فحدُّهم سواءٌ مائة جلدة في القرآن العظيم، وقد بيّن الله لكم أنه حدٌّ سواءٌ على الأحرار المُسلمين مائة جلدة للزاني والزانية وبيّن الله لكم في نفس سورة النّور أنه سواء للحرّة المتزوجة وغير المتزوجة، فتابعوا آيات سورة النّور: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴿٤﴾ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٥﴾ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّـهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ﴿٦﴾ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّـهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴿٧﴾ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّـهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ﴿٨﴾ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّـهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴿٩﴾ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّـهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ﴿١٠﴾} صدق الله العظيم [النّور].

فهل تريدون يا معشر عُلماء الأمّة أن يذكر الله لكم العذاب للزناة مرة أخرى في نفس السورة؟ ألم يُفصله لكم تفصيلاً في أوّل السورة؟ {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴿١﴾ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّـهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿٢﴾} صدق الله العظيم، ومن ثم جاء ذكر الذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم وذكر الحدّ مرة أخرى للمتزوجة وقال الله تعالى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّـهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ﴿٨﴾ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّـهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴿٩﴾ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّـهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ﴿١٠﴾} صدق الله العظيم.

وما هو العذاب الذي يُدرأ عنها؟ إنهُ عذاب حدّ الزنا المذكور والمُفصَّل في أول السورة، {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ} وذلك هو العذاب الذي يُدرأ عنها فلا يجلدونها لو كنتم تعلمون، أم تريدون القرآن يذكره لكم مرّة أخرى في نفس السورة؟ فاكتفى بقوله: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} وهو العذاب المذكور في أول السورة يا معشر عُلماء الأمّة.

ولربّما يودّ أحد عُلماء الأمّة أن يُقاطعني فيقول: "كيف تجعل حدّ الزانية المتزوجة كحدّ الزانية العزباء التي لا زوج لها؟ بل حدّ الزانية العزباء مائة جلدة لأنها معذورة فهي زنت نظراً لأنها غير متزوجة فأجبرتها شهوتها على الزنا، فأما المتزوجة فليس لديها عُذر وحدُّها الرجم بالحجارة حتى الموت". ومن ثم يَرد عليه المهدي المُنتظر الحقّ الإمام ناصر محمد اليماني قائلاً: ما دام أعذرت العزباء على الزنا فما هو العذر الذي التمسته للأَمَة المتزوجة والتي لا تُجلد إلا بخمسين جلدة فقط مع أنها متزوجة في نَصِّ القرآن العظيم إنك أنت الحكيم الرشيد، وقال الله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ۚ وَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُم ۚ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۚ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ۚ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} صدق الله العظيم [النّساء:25].

فهل تبيّن لكم بأن حدّ الزنا مائة جلدة للزاني والزانية سواءً كانوا متزوجين أم غير متزوجين من المُسلمين والمُسلمات الأحرار؟ وأما العبيد والإماء فعليهنّ نصف ما على المسلمين والمسلمات الحرات سواء كانت الأَمة عزباء أم متزوجة فحدّها خمسون جلدة بنصّ القرآن العظيم: {فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ۚ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} صدق الله العظيم.

ولربّما يزأر علينا عالِمٌ آخر ويزبد ويربد كالبعير الهائج: "كيف تنفي سُنّةً مؤكدةً فقد قذَف محمدٌ رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - المرأةَ بالحجارة والتي جاءت فاعترفت بين يديه بأنها زنت وتابت إلى الله متاباً، وتريد أن يُطهرها فيرجمها حتى الموت". ومن ثمّ أردّ عليه من القرآن العظيم وأُبطل هذا الافتراء اليهودي الموضوع عن رسول الله وما كان عنهُ شيئاً وما ينبغي لرسول الله أن يُخالف أمر ربّه في القرآن العظيم بأن من تاب قبل أن تقدر عليه يا محمدٌ رسول الله والمسلمون فلا ينبغي لكم أن تقيموا عليهم الحدّ حتى ولو كان مُفسداً في الأرض، وحتى ولو قتل فساداً في الأرض وكان حدُّه الصلب فيُقطع رأسه عن جسده ولم يعلم أحد بأنه هو من قتل ولم يقدر عليه أحد ولم يعلم بأنهُ القاتل غير الذي يعلم السِّر وأخفى الذي يعلمُ خائنة الأعين وما تخفي الصدور ولكنهُ ندم على ذلك ندماً عظيماً وتاب إلى الله متاباً ثم جاء إلى الحاكم فقال: "أنا من قتلت فلاناً الذي لا يعلم أهلُه ولا النّاسُ أجمعون من قتله ولم أكن مُطارداً من أحد وليس اعترافي إلا لأني تُبت إلى ربي، فإن ترون الحُكم علينا بالصلب فتقطعون رأسي فتفصلوه عن جسدي فلا أبالي ما دام في ذلك مرضاة الله". ومن ثم يعود الحاكم إلى القرآن العظيم: "ما هو الحدُّ لهذا الرُجل الذي جاء واعترف بين أيدينا من قبل أن نقدر عليه ولا نشك فيه ولا نُطارده؟". فسوف يجد الله يفتيه في القرآن العظيم فيقول: "لا تقتلوه فقد رفعنا عنه الحدَّ والصلب أو حدَّ القطع لأيديه وأرجله من خلاف، وذلك لأنه تاب إلينا ولم يعلم بفعلته سوانا فتاب إلى الله متاباً، وجاء إليكم من قبل أن تقدروا عليه فلا حدّ عليه من بعد التوبة، و أمّا لو تاب حين قدرتم عليه وجاءه الموت لما قبلنا توبته لأنه جاءه الموت وعلم أنكم سوف تصلبونه فقال: إني تبت الآن. فلا توبة له عند ربه ولا الذين يموتون وهم كُفار، وقال الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿٣٣﴾ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ۖ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٣٤﴾} صدق الله العظيم [المائدة]."

وأكرّر لمن أراد أن يتدبّر قوله: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ۖ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٣٤﴾} صدق الله العظيم، ثم لا يُحكم عليه إلا بدية العمد إن كان قتلاً فيُسلّمها إلى أهل المقتول، أو يرد السرقة أو السلب والنّهب إلى أهله، ويكون بذلك قد برّأ ذمته وتقبل الله توبته برغم أنه قَتَل، وبرغم أن سيئة قتل النّفس بغير حقٍّ ليس وزرها كمثل وزر أي سيئة قط، كما أن حسنة إحياء النّفس ليس أجرها بعشر أمثالها فقط، بل إن تعدادهما الوزر أو الأجر بتعداد ذُرية آدم من أول مولود إلى آخر مولود، وسيئة القتل وحسنة الإحياء بالعفو هما الوحيدتان اللتان تساوتا في الكتاب في الوزر وفي الأجر، تصديقاً لقول الله تعالى: {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} صدق الله العظيم [المائدة:32].

فكيف يجرؤ محمد رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - أن يُخالف أمر ربّه فيقوم برجم امرأة جاءت إليه وبين يديه قبل أن يقدر عليها محمدٌ رسول الله - صلّى الله عليه و سلّم - ولم يعلم بزناها أحد وتابت إلى الله متاباً وجاءت معلنةً توبتها النّصوح بين يدي رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - ومن ثمّ يقول اذهبي حتى تضعي المولود! ومن ثم تعود إليه مرة أخرى بعد أن وضعته، ومن ثم يقول اذهبي فأرضعيه! فترضعه حولين كاملين ثم تعود ثم يأخذ ولدها من يدها ويأخذ الحجارة هو وصحابته فيقتلونها رجماً بالحجارة؟!! قاتلكم الله أنّى تؤفكون! فكم شوّه اليهود بدينكم فاتبعتموهم بزعمكم أنكم مستمسكين بسُنَّة رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - وأنتم لستم على كتاب الله ولا سُنّة رسوله بل مُستمسكين بسُنَّة اليهود التي تُخالف لما جاء في كتاب الله جُملة وتفصيلاً، ومن ثم تنبذون كتاب الله وراء ظهوركم بحجّة أنه لا يعلم تأويله إلا الله وإنما الله يقصد المُتشابه منه، ثكلتكم أمهاتكم.. ولكن اليهود أخرجوكم عن المُحكَم الواضح والبين والذي أتحداكم به وألجمكم إلجاماً وأدافع عن سُنّة محمد رسول الله الحقّ بمنطق هذا القرآن العظيم والذي جعله الله مرجعيّة لسُنّة رسوله وما كان من السُّنة من عند غير الله وليس من عند الله ورسوله فسوف نجد بينها وبين هذا القرآن اختلافاً كثيراً جُملة وتفصيلاً، وقد بيّنا الآيات برغم وضوحها وفصلناها من القرآن العظيم تفصيلاً لقوم يؤمنون بكتاب الله وسُنّة رسوله الحقّ التي لا تخالف هذا القرآن بل تزيده بياناً وتوضيحاً مُسلمين، تصديقا لقول الله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} صدق الله العظيم [النّحل:44].

فكيف يأتي البيان مُخالفاً للآيات المُحكمات في القرآن العظيم؟ ما لكم كيف تحكمون؟! فصدِّقوا بأني أنا المهدي المُنتظر وإن أبيتم الاعتراف بشأني يا معشر عُلماء الأمّة فإني أدعوكم إلى المُباهلة، فليتقدم إلى موقعي أشدُّكم كفراً بهذا الأمر ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الظالمين، فقد طفح الكيل منكم ومن صمتكم عن الحقّ وضاق صدري عليكم يا معشر عُلماء المُسلمين الذين اطّلعوا على أمري في الإنترنت العالميّة ولم يُحرِّكوا ساكناً ولم يخبروا عُلماء المسلمين بالمدعو ناصر محمد اليماني فيقولون: "إنه يزعم أنه المهدي المنتظر فتعالوا لنحاوره فنلجمه من القرآن إلجاماً إن كان على باطل فنكفي النّاس شره حتى لا يضل أحداً من المُسلمين إن كان على ضلالٍ مبينٍ أو يلجمنا بالقرآن العظيم بالحقّ ثم نعلم أنه هو المهدي المنتظر قبل أن يصيبنا ما سوف يصيب الكافرين من جراء كوكب العذاب الذي سوف يمطر على الأرض حجارة من سجيل منضود". فصدِّقوني لعلكم تفلحون واكفروا بأحاديث اليهود ورواياتهم الموضوعة بين سُنَّة رسول الله الحقّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، فمن كان له أي اعتراض على خطابنا هذا فليتفضل للحوار مشكوراً شرط أن يكون حوارنا حصريا من القرآن العظيم وذلك لو أقول ومن السُّنة لعمدتم إلى الأحاديث الموضوعة والروايات المدسوسة وجادلتم بها حديث الله الواضح والبيِّن، ومن أصدق من الله حديثاً؟ ومن ثم تزعمون أنكم بهذا القرآن مؤمنون! ولم يبقَ غير رسمه بين أيديكم ومن استمسك به نجا واهتدى إلى صراطٍ مستقيمٍ ومن زاغ عنهُ هوى وغوى وكأنما خرَّ من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح إلى مكان سحيق، والسلام على من اتبع الهادي إلى الصراط المستقيم.


تعقيبٌ آخر على علماء الأمّة الصامتين من الذين اطَّلعوا على أمري فلا كذَّبوا ولا صدَّقوا ..

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على جميع الأنبياء والمُرسَلين وأتباعهم بالحقّ إلى يوم الدين، ثمّ أمّا بعد..

يا معشر عُلماء الأمّة، لقد نفينا حدّاً موضوعاً في حدود الدين الإسلامي الحنيف ورغم هذا التجرؤ بالحقّ لا تزالون مُتمسكين بالصمت وبالذات الذين اطلعوا على خطاباتي من عُلماء المُسلمين، ولكني أعلم سبب صمتكم إنه حديث ربّي وربّكم الذي جاء في القرآن العظيم ولو لم آتِكُم بالسلطان من حديث الله لسلقتموني بألسنةٍ حدادٍ وألجمتموني بالحقّ إلجاماً ولأنّ الحقّ معي لذلك أَلجمَكم ناصر محمد اليماني بالحقّ إلجاماً وأخرس ألسنتكم بالحقّ، وذلك هو سبب صمتكم العجيب أمام الباحثين عن الحقيقة.

ولماذا يا معشر عُلماء الأمّة تصمتون عن الحقّ وأنتم تعلمون بأن الساكت عن الحقّ شيطانٌ أخرس؟ وقد علمتم بأنّي لست من طائفة القرآنيين من الذين يستمسكون بالقرآن وحسبهم ذلك وأضاعوا فرضين من الصلوات فجعلوها ثلاثاً، وكذلك لست من الشيعة من الذين يستمسكون بروايات العترة والبحث عن كتاب فاطمة الزهراء ولا أعلم لها بكتاب؛ بل كتابها هو كتاب أبيها عليه الصلاة والسلام (القرآن العظيم) ويذرونه وراء ظهورهم.
وكذلك لست من السُّنة الذين يستمسكون بالسُّنة ويذرون القرآن وراء ظهورهم بزعمهم أنه لا يعلم بتأويله إلا الله ورسوله وصحابته الذين في عهده فلا يقومون بالمقارنة بين الأحاديث الواردة هل لا تُخالف القرآن في شيء؟ وجميعكم قد خرجتم عن الصراط المُستقيم إلا من رحم ربي، ولذلك جئتكم على قدَرٍ لأخرجكم والنّاسَ أجمعين من الظُلمات إلى النّور ومن عبادة الرسل والأنبياء والأولياء إلى عبادة الله وحده مستمسكاً بكتاب الله وسُنّة رسوله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - ولا أفرّق بين الله ورسوله، وأشهد بأن القرآن من عند الله وكذلك السُّنة من عند الله جاءت بياناً لبعض آياتِ القرآن لتزيد آياتٍ من القرآن توضيحاً وبياناً للأمّة، تصديقاً لقوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} صدق الله العظيم [النّحل:44].

ومن خلال هذا القول الحقّ يعلم عُلماء الأمّة بأن سُنّة محمدٍ رسول الله جاءت لتزيد القرآن توضيحاً، ولكن للأسف فإنكم تستمسكون بأحاديث تُخالف هذا القرآن اختلافاً كثيراً، وللأسف بأن بعض العلماء يقول كانت آية في القرآن تخصّ الرجم فنسيها النّاس. تصديقاً لقوله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿١٠٦﴾} [البقرة].

وهذا الافتراء بسبب ظنّهم بأن معنى قوله: {نُنسِهَا} أي يُنسيها النّاس وإنهم لخاطئون، فتعالوا لأعلّمكم تأويلها الحقّ لعلكم تَرشُدون، وفيها من المتشابهات وليس معنى النّسيء هُنا أنه النّسيان؛ بل هو التأخير. وإذا حيّرتكم كلمة في آية من الآيات فعليكم أن تبحثوا عن معنى هذه الكلمة في آيةٍ أخرى ولو لم تكن في نفس الموضوع فهذا ليس قياساً وذلك لأن هدف الباحث هو أن يستنبط المعنى لكلمة يجهل معناها وهذا ليس حكماً بل بحثٌ عن المعنى لكلمةٍ ما لعلها جاءت في موضوع آخر أكثر وضوحاً.

وكيف تعلمون بأن النّسيء هو التأخير وليس النّسيان؟ فسوف تجدون ذلك في قوله تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} صدق الله العظيم [التوبة:37].

وعلماء الأمّة يعلمون بأن النّسيء هنا معناه: التأخير ليواطئوا عدة ما حرم الله ليحلوا ما حرم الله، ومن ثمّ نعود للآية الأولى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿١٠٦﴾} صدق الله العظيم.

وإليكم التأويل الحقّ لمن يريد الحقّ؛ حقيق لا أقول على الله إلا الحقّ:
{مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ}، قال الله تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ ﴿٢١﴾ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴿٢٢﴾} [البروج].

إذاً، {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ} أي: نُنزِّلها نسخةً من اللوح المحفوظ إلى الأرض إلى محمد رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - بنفس النُّسخة التي هي موجودة في اللوح المحفوظ.

{أَوْ نُنسِهَا} أي: يؤخّر حُكمها الأصلي والثابت والدائم فتنزل الآية بحكم مؤقت، لحكمةٍ من الله حتى يأتي الوقت المُناسب لنزول حكمها الثابت.

{نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا}: وذلك حين نزول الآية بحُكمها الأصل والثابت من أمّ الكتاب وأصل هذا الدين الحنيف غير أنها تأتي محوّلةً الآية من أخفّ إلى أثقل في نظر المؤلفة قلوبهم، ولكنها في الواقع خيرٌ لهم من الحكم السابق والمؤقَّت كمثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النّساء:43].

ومن ثم نزل الحكم الأُمّ والثابت الذي لا يُبدَّل أبداً في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة:90].

والاجتناب هُنا من أشدِّ أنواع التحريم لدرجة أنّكم تجتنبون الحانات حتى لا توسوس لكم أنفسكم بشرب الخمر من بعد تحريمه، وهنا تم تبديل حكم الآية بحكم آخر وهو الحكم الثابت الذي أخَّره الله من قبل حكمة منه تعالى مع بقاء الحكم السابق المُبدَّل، فبقي لفظه ولا يؤخَذ بحكمه أبداً من بعد التبديل.

ومن ثم نأتي لقوله تعالى: {أَوْ مِثْلِهَا} وهنا يتنزل للآية حُكمٌ آخر مع بقاء حكمها السابق ولكنهما يختلفان في الأجر، كمثال قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة:12].

وكان من أتى إلى رسول الله ليناجيه في أمر الدين فيقدِّم صدقةً إلى بيت مال المُسلمين، وفي ذلك حكمة من الله للذين يضيعون وقت رسول الله بالهدرة الفاضية، وكان محمد رسول الله من تأدبه أن لا يقاطع حديث المُتكلم حتى ينتهي من حديثه، ولكن لا خير في كثير من نجواهم إلا مَن أمَر بصدقة، ولكن أهل الدنيا والمنافقين سوف يصمتون فلا يتكلمون حتى لا يقدّموا بين يدي نجواهم صدقة، وأما أهل الآخرة فلا يزيدهم ذلك إلا إيماناً وتثبيتاً ولكنه يعزّ عليهم إذا لم يجدوا ما يقدّموا فيصمتوا ولو تكلموا لقالوا خيراً، ومن ثم جاء حُكم آخر لهذه الآية مع بقاء حكمها السابق ومن شاء أخذ بالأول ومن شاء أخذ بالآخر، ونجد بأن الآية صار لها حكمان مع عدم التبديل لحكمها السابق بل حكم مثله، وقال الله تعالى: {أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ ۚ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّـهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ ۚ وَاللَّـهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴿١٣﴾} صدق الله العظيم [المجادلة].

وهنا تلاحظون بأن الحكم الأول لم يتم تبديله بل جاء حُكم مثله ويجوز الأخذ بأحدهما ولأحدهما أجر كبير وهو الأول، فإذا لم يفعلوا ما أمرهم الله به من تقديم الصدقة تاب عليهم، فلا نجد الحكم الأخير قد نفى الحكم الأول بل أصبح للآية حكمان ويؤخَذ بأيٍ منهما مع اختلاف الأجر للذين سوف يدفعون صدقة عند النّجوى. وذلك هو معنى قوله تعالى: {أَوْ مِثْلِهَا} أي: جعل لها حُكمين ولم يغير حُكمها السابق.

وعجيب أمركم يا أهل اللغة فأنتم تعلمون بأن النّسخ صورة شيء طبق الأصل عن شيء آخر وهذا ما أعلمه في اللغة العربية ولكنكم جعلتم النّسخ هو التبديل، ولكن التبديل واضح في القرآن ولم يقل أنه النّسخ بل قال الله تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ ۙ وَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿١٠١﴾} صدق الله العظيم [النّحل].

وهنا التبديل لحكم الآية بحكم آخر مع بقاء حكمها السابق في الكتاب، ولا يجوز الأخذ به على الإطلاق بل الأخذ بحكمها الجديد، وذلك معنى قوله تعالى: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا}، وحكم التبديل دائمًا يأتي من أخف إلى أثقل في نظر المؤلفة قلوبهم، ولكن هذا الحكم خيرٌ للأمّة من الحكم السابق برغم أنه يأتي من أخف إلى أثقل.

وأما الأحكام التي تأتي للإضافة للحكم السابق وليس للتبديل بل يصبح للآية حكمان ويؤخَذ بأيٍ منهما مع اختلافهما في الأجر فدائماً تأتي من أثقل إلى أخفّ فيكون حكمان للآية أحدهما ثقيل وهو الأول والآخر تخفيف مع بقاء حكمها الثقيل الأول لمن أراد الأخذ به
.
كمثال قوله تعالى: {إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنفال:65].

ولكن هذا الحكم ثقيل على الذين في قلوبهم ضعف باليقين بأن العشرين سوف يغلبون مائتين وهذا يتطلب يقينًا من هؤلاء العشرين المقاتلين وحتماً سوف يغلبون مائتين، ومن ثم جاء لآية القتال حكم إضافي إلى الحكم الأول تخفيفاً من الله مع عدم حذف الحكم الأول والذي يستطيع أن يأخذ به أصحاب اليقين ولم يتم تبديله، ويؤخَذ بأيٍ منهما مع اختلاف الأجر والصبر، والثقيل وزنه ثقيل في الميزان والحكم الأخف فإن وزنه أخف من الأول في ميزان الحسنات، فأما الحكم الثاني للآية والذي لم يأتِ تبديلاً للأول بل حكم مثله وذلك في قوله تعالى: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّـهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّـهِ ۗ وَاللَّـهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴿٦٦﴾} صدق الله العظيم [الأنفال].

ولكنه لم يحرّم على العشرين أن يقاتلوا مائتين وإنما جاء التخفيف بسبب ضعف اليقين مع بقاء الحكم السابق لمن أراد الأخذ به، وذلك هو معنى قوله تعالى: {أَوْ مِثْلِهَا} أي: يجعل للآية حكمين فيأتي الحكم مثل الحكم الأول في الأخذ به ولم يُلغِه شيئاً فيؤخَذ بأيّ من الحكمين. ولكن هل أجر العشرين الصابرين الذين يغلبون مائتين كأجر مائة تغلب مائتين؟ كلا بل يستويان في الحكم بالأخذ بأيٍ منهما ولكنهما يختلفان في الثقل في الميزان لو كنتم تعلمون.

وكذلك مكر اليهود من خلال هذه الآية: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿١٠٦﴾} وقالوا: إن السُّنة تنسخ القرآن، وإنه كانت توجد آية الرجم في القرآن ثم نسختها السُّنة، وذلك لأنهم علموا أنهم لا يستطيعون أن يدخلوا عليكم من القرآن لتحريفه نظراً لحفظه من التحريف ليكون حجّة على المؤمنين، ومن ثمّ أرادوا أن ينسخوا القرآنَ بالسُّنة، قاتلهم الله أنّى يؤفكون. فكيف ينسخ حديثُ رسول الله حديثَ ربه؟ ما لكم كيف تحكمون؟!

وقالوا بأن معنى قوله: {نُنسِهَا}، أي نُنسيها من ذاكرة النّاس فيضعون أحاديث تتشابه مع ظاهر بعض آيات القرآن والتي لا تزال بحاجة للتأويل لِمَن يبيّنها بأن النّسيء هنا يقصد به التأخير وليس النّسيان، وللأسف إن الذين في قلوبهم زيغ يتّبعون الأحاديث المتشابهة مع مثل هذه الآيات في ظاهرها لكي يثبتوا حديث الفتنة من اليهود وهم لا يعلمون أنه من اليهود بل يظنونه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكذلك هذه الآيات التي تشابهت مع هذا الحديث في ظاهرها والتي لا تزال بحاجة للتأويل فهم يبتغون تأويلها بهذا الحديث، وهؤلاء في قلوبهم زيغ عن القرآن الواضح والمُحكم فتركوه وعمدوا للمتشابه من القرآن مع أحاديث الفتنة وهم لا يعلمون أنها فتنة موضوعة من قِبَل اليهود لذلك برَّأهم القرآن بأنهم لا يريدون الافتراء على الله ورسوله بل ابتغاء البرهان لهذا الحديث وكذلك ابتغاء تأويل هذه الآيات والتي لا تزال بحاجة إلى تفسير، ولكن في قلوبهم زيغ وذلك لأنهم مصرِّين بأن هذا الحديث عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - بغض النّظر هل يوافق القرآن أم لا بل وقالوا: "إذاً السنة تنسخ القرآن"!! وذلك هو الزيغ بعينه، فكيف ينسخ حديثُ العبد حديثَ الرب؟! بل كل الحديث من عند الله وتأتي الأحاديث في السنة لبيان حديثه في القرآن فتزيده بياناً وتوضيحاً، ثم إني لا أجد في اللغة بأن النّسخ معناه المحو والتبديل بل النّسخ من اللوح المحفوظ فتنزل نسخة لنفس الآية التي نزلت هي نفسها في اللوح المحفوظ والآية المُنزلة نسخة منها. لذلك قال الله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} صدق الله العظيم.

ولم أجد بأن النّسخ يقصد به التبديل أبداً على الإطلاق، وكلمة التبديل واضحة في القرآن العظيم في قوله تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ ۙ وَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿١٠١﴾} صدق الله العظيم [النّحل].

فكيف تجعلون النّسخ هو التبديل برغم أنكم تعلمون المعنى الحقّ للنسخ في اللغة أنه صورة طبق الأصل؟ وحتى القرآن يقول بأن النّسخ صورة طبق الأصل، كمثال قوله تعالى: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} ‏صدق الله العظيم [الجاثية:29].

أي يقصد أعمالهم نسخة طبق الأصل لما يعملون دون زيادة أو نُقصان بالحقّ كما يفعلون يجدون ذلك في كُتبهم: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴿١٤﴾} صدق الله العظيم [الإسراء].

ثم وجد كل منهم كتابه نسخة طبق الأصل لعمله فلم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً. فكيف تجعلون النّسخ هو المحو؟ ما لكم كيف تحكمون؟! فقد بيّنا لكم من القرآن بأن النّسخ صورة لشيء طبق الأصل تماماً، وكذلك أنتم تعلمون ذلك في اللغة فكيف يضلونكم اليهود حتى عن فهم لغتكم الذي تعلمونها علم اليقين؟ ومن كان له أي اعتراض على خطابنا هذا فليتفضل للحوار مشكوراً..

أخو المُسلمين الحقير الصغير بين يدي الله والذليل على المؤمنين تواضعاً لله؛ الإمام ناصر محمد اليماني المهدي المنتظر، والنّاصر لمُحمدٍ رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - فقد جعل الله في اسمي خبري وعنوان أمري لقوم يعقلون ، فواطأ الاسم الخبر ليكون صفة للمهدي المنتظر يحمل صفته اسمه لو كنتم تعلمون.
_________________


بيان عدد الأنبياء والرُسل الذين ورد ذكرهم في القرآن ..

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على جميع الأنبياء والمُرسَلين، السلام علينا وعلى جميع عباد الله الصالحين في الأوّلين وفي الآخرين وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين، ثمّ أمّا بعد..

يا معشر عُلماء الأمّة، لقد أمركم الله بالإيمان بجميع الأنبياء والمُرسَلين من أوّلهم آدم عليه الصلاة والسلام إلى مسك خاتمهم محمد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. وقد ذكر الله لكم في مُحكم آيات القرآن العظيم ثمانيةً وعشرين منهم بالاسم بعدد الأحرف التي يتكَوَّن منها القرآن العظيم؛ ثمانية وعشرين نبياً ورسولاً وهم:

1- نبيّ الله آدم عليه الصلاة والسلام. وقال الله تعالى:
{إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴿٣٣﴾ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ} صدق الله العظيم [آل عمران:33-34].
2- نبيّ الله نوح عليه الصلاة والسلام.
3- نبيّ الله إلياس عليه الصلاة والسلام.
4- نبيّ الله إدريس عليه الصلاة والسلام.
5- نبيّ الله اليسع عليه الصلاة والسلام.
6- نبيّ الله هود عليه الصلاة والسلام.
7- نبيّ الله صالح عليه الصلاة والسلام.
8- نبيّ الله أيوب عليه الصلاة والسلام.
9- نبيّ الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
10- نبيّ الله لوط عليه الصلاة والسلام.
11- نبيّ الله إسماعيل عليه الصلاة والسلام.
12- نبيّ الله إسحاق عليه الصلاة والسلام.
13- نبيّ الله شُعيب عليه الصلاة والسلام.
14- نبيّ الله يونس عليه الصلاة والسلام.
15- نبيّ الله يعقوب عليه الصلاة والسلام.
16- نبيّ الله يوسف عليه الصلاة والسلام.
17- نبيّ الله موسى عليه الصلاة والسلام.
18- نبيّ الله هارون عليه الصلاة والسلام.
19- نبيّ الله لُقمان عليه الصلاة والسلام.
20- نبيّ الله عُزير عليه الصلاة والسلام.
21- نبيّ الله ذو القرنين عليه الصلاة والسلام.
22- نبيّ الله داوود عليه الصلاة والسلام.
23- نبيّ الله سُليمان عليه الصلاة والسلام.
24- نبيّ الله هارون بن عمران أخو مريم عليه الصلاة والسلام.
25- نبيّ الله زكريا عليه الصلاة والسلام.
26- نبيّ الله يحيى عليه الصلاة والسلام.
27- نبيّ الله المسيح عيسى ابن مريم عليه وعلى أمه الصلاة والسلام.
28- خاتم الأنبياء والمُرسَلين رسول الله إلى الإنس والجنّ أجمعين محمد رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم.
....................................

ولا ينبغي أن يكون عدد الرُسل والأنبياء المذكورون في القرآن العظيم بالاسم أن يتجاوز عددهم لعدد الأحرف المُكّون منها جميعاً هذا القرآن العظيم، ويتكَوَّن القرآن العظيم من ثمانيةٍ وعشرين حرفاً وذلك لأنه قرآن عربيّ مبين، واللغة العربية تتكون من ثمانية وعشرين حرفاً ينطق بها اللسان العربي المبين.

وإليكم السور ذات الأحرف التي أقسم الله بها من باب التكريم وليس تكريماً للحرف؛ بل قَسَمٌ لحرفٍ ينتمي لاسم نبيّ أو رسول ولذلك يرمز له الله في القَسَمِ بأحد حروف اسم النبيّ المُقْسَم باسمه، ولم يكن هناك شرط بأن يكون الحرف الأول من الاسم؛ بل بأحد حروف الاسم الأول ولكنّه لا يتجاوز الاسم الأول إلى الأب؛ بل أحد حروف الاسم الأول للنبيّ المُقسم به.

على سبيل المثال:
{كهيعص ﴿١﴾} [مريم]:

فأما الحرف ( ك ) فنجده رمزاً لاسم نبيّ الله زكريا.
وأما ( ه ) فنجده رمزاً لنبيّ الله هارون بن عمران أخو مريم.
وأما الحرف ( ي ) فنجده رمزاً لاسم يحيى.
وأما ( ع ) فرمزٌ لاسم عيسى ابن مريم.
وأما الحرف ( ص ) فرمز الصدِّيقة مريم، ولم يأخذ رمزها من الاسم لأنها ليست نبيّة بل صدّيقة لذلك أخذ الرمز من اسم الصِّفة. وقال الله تعالى:
{مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ} صدق الله العظيم [المائدة:75].

وهذه السور ذات الأحرف التي يكمن فيها أسرار الأسماء التي علّمها الله لآدم عليه السلام، ومن ثم علّم آدمُ بها الملائكةَ، ومن ثم عَلِمَتْ ملائكةُ الرحمن بجميع أسماء خلفاء الله أجمعين، ولذلك قالوا لزكريا إن الله يُبشرك بغلامٍ اسمه يحيى، وكذلك قولهم لمريم: {يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّـهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} صدق الله العظيم [آل عمران:45].

وجميع هذه الرموز لأسماء خلفاء الله من الأنبياء والرسل والصالحين:

1) الم ــ البقرة.
2) الم ــ آل عمران.
3) المص ــ الأعراف.
4) الر ــ يونس.
5) الر ــ هود.
6) الر ــ يوسف.
7) المر ــ الرعد.
8) الر ــ إبراهيم.
9) الر ــ الحجر.
10) كهيعص ــ مريم.
11) طه ــ طه.
12) طسم ــ الشعراء.
13) طس ــ النّمل.
14) طسم ــ القصص.
15) الم ــ العنكبوت.
16) الم ــ الروم.
17) الم ــ لقمان.
18) الم ــ السجدة.
19) يس ــ يس.
20) ص ــ ص.
21) حم ــ غافر.
22) حم ــ فصلت.
23) حم عسق ــ الشورى.
24) حم ــ الزخرف.
25) حم ــ الدخان.
26) حم ــ الجاثية.
27) حم ــ الأحقاف.
28) ق ــ ق.
29) ن ــ القلم.
......................................

فأما الثماني والعشرون سورة فتخصّ أحرفها جميع الأنبياء والمُرسَلين والذين ذكرهم القرآن بالاسم بلفظ القرآن العظيم، وجميعهم أعطاهم الله علماً من الكتاب، ولا أظنكم يا معشر المُسلمين تنتظرون نبياً ولا رسولاً فقد علمتم بثمانية وعشرين نبياً ورسولاً قد مضوا وكان خاتمهم محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولكنها بقيت سورةٌ واحدةٌ ولا غير؛ بل هي آخر سورة وضعت في القرآن من اللاتي يحملن الأحرف السرية أوّلهم ( الم ) في سورة البقرة وآخرهم ( ن )، ويا معشر المُسلمين ما ظنكم بهذا الحرف الزائد على الثمانية والعشرين نبياً ورسولاً والذي ذكر الله أسماءهم بنصّ القرآن الصريح؟

ومنهم من يوجَد له اسمان مذكوران في القرآن، فعلى سبيل المثال محمد رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - وكذلك أحمد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وكذلك رسول الله إلياس - صلّى الله عليه وآله وسلّم - ثم تجدون له اسماً آخر في القرآن وهو ذا الكفل، ولماذا يُسمى ذو الكُفل؟ وذلك لأنه تكفّل بتربية أَخَويه إدريس واليسع بعد أن صارا يتيمي الأبوين، وكذلك هما أبوا إلياس وأولئك هم الأسباط الثلاثة المذكورون في القرآن ولم يكونوا هوداً أو نصارى، والله يعلم وأنتم لا تعلمون ولا علم لي إلا ما علّمني ربّي بوحي التفهيم وليس بالتكليم، وإذا لم يكن لوحي التفهيم سلطانٌ بيّن في القرآن العظيم فأُحذِّركم من ذلك فليس وحياً من الرحمن بل وسوسة شيطان رجيم الذي يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون. تصديقاً لقوله تعالى: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿١٦٩﴾} صدق الله العظيم [البقرة].

ولأنه من أمر الشيطان الرجيم - قول العالم بما لا يعلم علم اليقين - من أجل ذلك حُرِّم على المسلمين. تصديقاً لقول الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّـهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿٣٣﴾} صدق الله العظيم [الأعراف].

فكيف تُؤَوِّلون القرآن بالظنّ يا معشر المُسلمين وأنتم تعلمون بأن الظن لا يغني من الحقّ شيئاً؟ وأنّ قول المُفتي بما لا يعلم هو من أمر الشيطان وليس من أمر الرحمن، فهل تزعمون بأن الاجتهاد هو أن تقول على الله ما لا تعلم؟ فتعالوا لأعلمكم ما هو الاجتهاد؟ وهو أن تتمنى اتّباع الحقّ ثم تكون باحثاً عن الحقيقة، وهنا يأتي علم الله وهُداه، تصديقاً لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} صدق الله العظيم [العنكبوت:69].

فهل تعلمون بأن جميع الأنبياء والمُرسَلين جميعهم كانوا باحثين عن الحقيقةِ الحقّ فهداهم الله إليه فاصطفاهم وعلَّمهم؟ فانظروا إلى خليل الله إبراهيم بحث عن الحقيقة بعد عدم اقتناعه بعبادة الأصنام، فنظر إلى ملكوت السماء بنظرة الـتأمل فاختار كوكباً وقال: "هذا ربّي فهو أَسمَى وأرفع من هذه الأصنام التي يصنعها البشر بأيديهم"، فلما أفل قال: "لا أحب الآفلين". ومن ثمّ رأى القمر بازغاً قال: "هذا ربي". ومن ثم تراجع لأنه لم يقتنع في ذاته، ومن ثم رأى الشمس بنظرة التأمل وهو يراها يومياً وإنما بنظرة التدبر والتأمل فقال: "هذا ربّي هذا أكبر". ومن ثم لم يقتنع وصار عنده ألمٌ نفسيّ يريد أن يعبد الحقّ وقال: "إني سقيم". أي متألم نفسياً لأنه يخاف أن يعبد شيئاً لا يستحق العبادة وهو باطل، وقال الله تعالى: {وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ﴿٧٥﴾ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَـٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ﴿٧٦﴾ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَـٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ﴿٧٧﴾ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي هَـٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ﴿٧٨﴾ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿٧٩﴾} صدق الله العظيم [الأنعام].

وهنا قرَّر إبراهيم بأن لا يسجد للشمس ولا للقمر بل يسجد لله الذي خلقهم وهو على ذلك من الشاهدين، ومن ثمّ اصطفاه الله واستخلصه لنفسه وجعله نبيّاً ورسولاً ولكن بعد أن تحققت أمنية إبراهيم في وصوله إلى الحقيقة ألقى الشيطان في أمنيته شكاً، وقال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَـٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة:260].

ومن ثم أحكَم الله آياته لإبراهيم فضرب له مثلاً لقدرته وأمره أن يذبح أربعة من الطيور فيجعل على كُل جبلٍ منهُنّ جزءاً، وأمَر الله إبراهيم أن يُناديهنّ فإذا هنّ يأتينه سعياً بإذن الله، ويبدو بأنها من الطيور التي لا تطير كأمثال الدجاج وغيرها من الطيور التي يستطيع الإنسان الإمساك بها لأنها تدأب على الأرض ولا تطير بالسماء لذلك قال يأتينك سعياً.

وكذلك نجد رسول الله موسى بعد أن كان مجتهداً باحثاً عن الحقيقة في أحد المذاهب التابعة للبيِّنات التي أنزلها الله على يوسف وكان ينتمي لأحد المذاهب فلما استنجد بموسى واحدٌ من أحد عُلماء مذهبه وكان يتعارك مع عالِم آخر في طائفة أخرى فقتله؛ فوكزه موسى بعصاه فقتله، ومن ثم في اليوم الآخر وإذا بالرجل الذي استصرخه يستنجد به على عالِم آخر ولكن هذا العالِم وعظ موسى وقال له قولاً بليغاً: {أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ ۖ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ} صدق الله العظيم [القصص:19].

وهنا استيقظ موسى من غفلته وقال: تالله إنك لَغَوِيٌّ مبين، وعلم أن المقتول ينتمي لآل فرعون وقد يقتلونه وخرج إلى ربّه مهاجراً ليهديه وقال: {فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴿٢١﴾} [الشعراء].

فانظروا إلى موسى بعد أن تحققت أمنيته وهداه الله إلى سبيل الحقّ فجعله نبيّاً ورسولاً ومن ثمّ ألقى الشيطان في أمنيته شكاً وذلك عندما ألقى السحرة عصيّهم وحبالهم وخُيّل إلى موسى والنّاس الحاضرين بأنها ثعابين تسعى، فأوجس في نفسه خيفةً موسى، ومن ثم أوحى الله إليه بوحي التفهيم واليقين بما أوتي وإنما جاؤوا بالباطل، ومن ثم قال: {فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ ۖ إِنَّ اللَّـهَ سَيُبْطِلُهُ ۖ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ﴿٨١﴾} صدق الله العظيم [يونس].

ومن ثمّ ألقى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون، وهنا أحكَم الله لموسى آياته وبين له الحقّ من الباطل بعد أن ألقى الشيطان في أمنيته الشك.

وكذلك محمد رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - كان باحثاً عن الحقيقة، لذلك كان يخلو بنفسه في الغار في الجبل ويتدبر ويتفكر في خلق السموات والأرض ولم يكن مقتنعاً بعبادة الأوثان ولا يدري هل يتّبع قومه أو النّصارى أو اليهود؟ وأيُّ الأديان حقٌّ ليتّبعه؟ لذلك قال الله تعالى: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ ﴿٧﴾} [الضحى].

والضال هو الذي لا يعرف أي الطُرق تؤدي به إلى برّ الأمان ومن ثمّ هداه الله إليه واصطفاه واستخلصه لنفسه وجعله خاتم الأنبياء والمُرسَلين، ولكنه حين قال له قومه: "بل اعتراك أحد آلهتنا بسوء". أي مسّه شيطان وأنه هو الذي يكلمه بهذا الكلام وليس ملاكاً، ومن ثم رد الله عليهم: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ ﴿٢١٠﴾ وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ ﴿٢١١﴾} صدق الله العظيم [الشعراء].

ولكنَّ محمداً رسول الله كاد أن يدخل في عقله ما يقوله قومه، بل شك في قلبه وأوجس في نفسه خيفةً بأنه قد يكون ما يقوله قومه حقٌّ، ومن ثم جاء قوله تعالى: {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ ۚ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴿٩٤﴾ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّـهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴿٩٥﴾ إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿٩٦﴾ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ﴿٩٧﴾} صدق الله العظيم [يونس].

ولكن الله لم يُلجِئ نبيَّه ليسأل اليهود أو النّصارى هل ما أُنزل عليه حقّاً من عند الله؟ بل أحكَم الله آياته لنبيّه بدعوةٍ من الثرى إلى سدرة المُنتهى ورأى من آيات ربّه الكُبرى فأصبح من الموقنين.

إذاً يا معشر المُسلمين، إن جميع الأنبياء كانوا مجتهدين باحثين عن الحقيقة مُتمنِّين اتّباعها حتى إذا تحققت أمنيتهم ألقى الشيطان في أنفسهم الشك في أمرهم، ومن ثمّ يُحكِم الله آياته لهم فيوضحها لهم ليكونوا من الموقنين، ولقد شكّ جميع الأنبياء والرُسل في أمرهم ثم يُحكِم الله لهم آياته فيوضحها لهم حتى تطمئن قلوبهم أنّهم على الحقّ، وقال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّـهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّـهُ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴿٥٢﴾ لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ۗ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴿٥٣﴾ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ۗ وَإِنَّ اللَّـهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴿٥٤﴾} صدق الله العظيم [الحج].

إذاً يا معشر المُسلمين هذا هو الاجتهاد أن تكون باحثاً عن الحقيقة حتى تجدها بعلمٍ وسلطانٍ مبينٍ ومن ثم تدعو النّاس على علمٍ وبصيرة، ولكني يا معشر عُلماء الأمّة أراكم تفتون النّاس بتأويل القرآن وأنتم لا تزالون مجتهدين وتقولون لكل مُجتهدٍ نصيبٌ فإن أخطأ فله أجر وإن أصاب فلهُ أجران، وذلك من الروايات اليهوديّة التي ما أنزل الله بها من سلطان، وليس الحديث الحقّ أن تفتي ثم تقول: "والله أعلم قد يكون هذا صح وقد يكون خطأ فأنا مُجتهد"!! بل الحديث: [من قال لا أعلم فقد أفتى].

بمعنى أنه حصل على أجر المُفتي إذا كان يهمه الأجر، أما إذا كان يريد أن يقول النّاس له أنه عالم لا يُسأل عن مسألة إلا وأفتى بها، فهنا سوف يكون أول من يُلقَى في النّار من المُسلمين واحتمل وزره ووزر الذين أَضلَّهم بغير علم ولا بصيرة.

وها أنا ذا اليماني المُنتظر والذي هو نفسه المهدي المُنتظر أُعلن التحدي من موقع البشرى وأُشهد جميعَ الصالحين من عالَمٍ من نارٍ أو عالَمٍ من نورٍ أو عالَمٍ من صلصالٍ كالفخار وكُل ما يدبُّ أو يطير من البعوضة وما فوقها بأني أتحدى جميع عُلماء الديانات السماويّة من اليهوديّة والنّصرانيّة والإسلاميّة تحدِّياً عظيماً وليس تحدي الغرور بل الثقة من التأويل الحقّ لهذا القرآن العظيم الذي يشمل جميع الرسالات السماويّة التي أنزلها الله على جميع الأنبياء المُرسَلين. تصديقاً لقوله تعالى: {هَـٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي} صدق الله العظيم [الأنبياء:24].

فإن غلبتموني يا معشر علماء الأمّة بعلمٍ وسلطانٍ فقد كفيتم النّاس شرِّي حتى لا أُضلّهم عن الحقّ، وإن غلبتكم بالعلم والسلطان بالتأويل الحقّ من القرآن فقد كفيت المسلمين شرَّ الذين يقولون على الله ما لا يعلمون بظن الاجتهاد أو القياس، وحُرِّم ذلك على عُلماء المُسلمين تأويل كلام الله بظنّ الاجتهاد والقياس الذي ما أنزل الله به من سلطان إلا في حالةٍ واحدةٍ إذا أردت أن تعرف المعنى اللغوي لكلمة في القرآن فتنظر إليها في موضع آخر واضحة وبيّنة ومن ثمّ تعلم المعنى اللغوي لهذه الكلمة كقوله: {أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا} [البلد:6].

وحتى تعرف معناها اللغوي تعود لقوله تعالى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّـهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ﴿١٩﴾} [الجن].

فهنا تفهم بأن معنى لبداً أي جميعاً، وذلك لأن المشركين كادوا أن ينقَضُّوا على محمد رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - حين قام يدعو ربّه عند المشعر الحرام فكادوا أن يكونوا عليه لبداً أي جميعاً، إذاً المعنى لقوله: {يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا ﴿٦﴾}، أي أهلك ماله جميعاً لتجهيز جيش قريش ضد محمد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، لذلك قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّـهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} صدق الله العظيم [الأنفال:36].

ويُسمح بالقياس للفهم اللغوي وليس الحُكم في مسألةٍ ما فهذا موضوع وذلك موضوع آخر، فكيف تستنبط منه حُكماً وكُل آية في موضوع آخر؟ فهذا غير صحيح، ألا تروني أستنبط لكم آيات قرآنية في نفس وقلب الموضوع فأفسِّر القرآن بالقرآن فلا أنطق بحرف من رأسي بل بالتأويل الحقّ لهذا القرآن العظيم يدركه أولو الألباب الذين لم يكونوا إمّعات إن أحسنوا النّاسُ أحسنوا بعدهم وإن أساء النّاس أساؤوا بعدهم؟ بل سيدركه أهل اللبّ والفكر والعقل والمنطق؛ لا يقتنعون إلا بما اقتنعت به عقولهم وليس بما اقتنعت به عقول النّاس؛ بل يستمعون القول بتدبرٍ وتمعنٍ وتفكرٍ ومن ثم يتخذون القرار الحقّ بالعقل والمنطق فيتّبعون أحسنَه.

فما بالكم يا معشر عُلماء الأمّة تقولون بأن معنى قوله: {يَا أُخْتَ هَارُونَ} [مريم:28]، بأنه يقصد هارون أخا موسى؟ فأين مريم من موسى وبينهما مئات السنين؟! حتى جعلتم للذين يُجادلون بالباطل ليدحضوا به الحقّ جعلتم لهم عليكم سلطاناً؟ فانظروا إلى ما يقولون: "كيف يُخطِئُ القرآنُ بنسب مريم عليها السلام لهارون وبينهما مئات السنين؟" ومن ثمّ نردّ عليهم ونثبت بأنهُ نبيٌّ وقد مات من قبل ميلاد مريم ابنة عمران فأصبحت يتيمة الأبوين والأخ وكَفلها زكريا بن يعقوب أخو عمران بن يعقوب، فما خطبكم يا معشر الذين لا يعلمون لا تجدون اسماً في القرآن إلا وزعمتم أنه يقصد به اسم نبيِّه هارون وبين ذلك الاسم و مريم مئات السنين إن لم تكن آلاف؟! وكذلك ظنّكم في قوله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ﴿١٦٣﴾} [النّساء].

فكيف تظنون بأنهُ يقصد هارون أخا موسى فإذا ذكر موسى فهو يذكر هارون لأن رسالتهم واحدة فقد أنزلت على موسى، وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ} صدق الله العظيم [الأنبياء:48].

وهنا تعلمون بأنه يقصد هارون أخا موسى، وأما في هذه الآية التالية في قوله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ﴿١٦٣﴾} صدق الله العظيم [النّساء].

فإنه يقصد هارون بن عمران أخا مريم، وقبل تحريف الكُتب المُقدّسة لم يكن على هارون غبار وأنه نبيٌّ كريم ولا يحتاج إلى تعريف لذلك اكتفوا بذكر: {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ﴿٢٨﴾} [مريم]، فقد بيّنا لكم كذلك إثبات نبوة هارون حتى في الأحرف السرية في أوائل سورة مريم: {كهيعص ﴿١﴾}، ولا تزال لدينا أدلة وبراهين على إثبات نبوة هارون بن عمران بن يعقوب للمُمترين من الذين يُجادلون بغير علمٍ ولا هدًى ولا كتابٍ منير، بل العجيب كُل العجب بأن بعض العُلماء يقول: "موسى بن عمران" ظناً منهُ حين قال يا أخت هارون وبما أن هارون أخو موسى إذاً موسى بن عمران، وهم من الذين يُجادلون بما لا يعلمون.

وكذلك لدينا البراهين الكافية على نبوة عُزير، وكذلك عُزير حدث له ما حدث لجميع الأنبياء وهو أنَّ الشيطان ألقى في أمنيته شكاً حين مرَّ على القرية الخاوية على عروشها فقال في نفسه ما جاء في قوله تعالى:
{أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَـٰذِهِ اللَّـهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّـهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ ۖ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿٢٥٩﴾} صدق الله العظيم [البقرة].

وهنا بيّن الله لعُزير آياته وأحكَمها بعد أن ألقى الشيطان في أمنيته شكاً، وهذا يحدث لجميع الأنبياء والرسل ومن ثمّ بعث الله إليه جبريل ليسأله كم لبثت؟ ومن ثم علّمه كم لبث وبيَّن له قُدرة الله، إذاً عُزير كان نبياً ولكنه ليس ولد الله كما يزعم اليهود وهم يعلمون بأنه ليس ولد الله بل يريد أن يعاندوهم النّصارى فيقولوا بل المسيح ابن الله، وذلك قولهم بأفواههم قاتلهم الله أنّى يؤفكون.

ولا تزال لدينا البراهين على إثبات نبوة الثمانية والعشرين، فهل من مُمترٍ مجادلٍ؟ فليتفضل للحوار مشكوراً.

أخو المُسلمين في الله المهدي المنتظر الإمام ( ن ) ناصر محمد اليماني.
___________________
اضغط هنا لقراءة البيان المقتبس..